الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عبدالرحمن داخلي يكتب.. لا تمعلشني وأعطني سمكة سنجاري أنسى فيها همّي

صدى البلد

المشاكل والهموم تحاصرنا من كل الإتجاهات، تغمرنا حتى يفيض الهمّ فينا فنلجأ للقريبين منا، نحكيونشكي إليهم حالنا، نُخرج لهم بعض مما فينا، نفضفض لهم بما فاض داخلنا، آملين أن ينصحونا بطريق أعمانا الهمّ عنه،نصيحة نحتاج سماعها، أو حتى نرى إهتمامًا منهم يخفف عنا هول ما غمّنا.

وليس دائمًا ولكن أحيانًا نجد في معارفنا، شخص يجيد السماع، شخص تود البوح له بما في داخلك كله، شخص ترتاح فقط بمجرد الحديث معه، شخص ينسينا كل همومنا، يأخذنا لعالم أخر بعيد عن كل تلك المشكلات، هذا الشخص يكن هو ملجأنا في تلك الظروف، نجتمع به، نحكي ونشكي ونخرج كل همومنا، باكيين عناء شدتها، مرهقين إثر تحملها، منهكينمن مجاهدتها، تمر ساعات من الشكوى لا تنهى الهمّ بداخلنا، ولكن تكفي لتفريغ جزء نسعد به، جزء يحملنا على إفتعال الإبتسامة إذا ما ألقى شخص "نكتة بايخة" فنضحك تلكيكًا لتتخللنا أي سعادة حتى ولو كانت زائفة، فكما قد زاحت مشكلاتنا فطرة سعادتنا وغمرتنا بكآبة كالحة مستديمة الحزن ومهما تغيرت الظروف وكُشف الكرب، يبقى بداخلنا جزء قد مات، حتى ولو ذقنا حقيقة السعادة، سيظل هناك جزء بداخلنا معتم، لا يستطيع أي شيء الإقتراب منه.

نستمر في إفراغ همومنا ويزيد هو إنصات بتأثر يدفعنا للمتابعة، ويشير إلينا فنكمل ممتنين له، يتغير تأثره إلى تركيز، وتحول عينه من النظر إلينا مباشرة للنظر إلى لوحة على الحائط أو التدقيق في أثار قدم رجل لعنكبوت على السقف كنت تطارده فاستطاع الهرب بسبع أرجل فقط، أو في زجاجة المياة على الطاولة فكما نعلم أن الماء أصل كل شيء حي لذا فهو يسعى للوصول إلى الأصول لكي يسحرنا بحلّه الجميل، أو إصبع رجله الصغير مفكرًا كيف أنه مختلف عن كل أصابعه الأخرى، أو أي حركة توحي بأنه مستغرق في التفكير، باحث عن حل لنا يساعدنا به، فيزيد امتناننا، وتدوم تلك الحالة لبضع ساعات، حتى تتغير تعابير وجهه من علامات التركيز إلى علامات بهجة وسعادة، وكأنه قد وجد لنا الحل! مما يدخل السرورعلينا حتى وبدون أن نسمعه، نختم كلامنا ثم نتطرق إليه ليتحدث عمّا بدا له من حكينا وشكوانا، آملين في مساعدته، مقدرين لمجهوده،فيسألنا سؤال واحد : هل هذا كل شيء؟
فنهز رأسنا بالإيجاب تواقين لسماع رأيه ووجهة نظره بعد كل هذا التركيز والتأثر، فيرد علينا بكلمة واحدة فقط، بكل آسى يتبعه إبتسامة بلهاء حمقاء يقول : - معلش -

وكأنه حرفيا قد أخرج عقلنا الصغير ووضعه في حوض أسماك زينة كانت مُضربة عن الطعام لعدة أشهر لتتغذى عليه ثم أخرج ما تبقى منه وأوصله بسلكين ووضع كابس الكهرباء في "الفيشة" وتركه عدة دقائق هكذا حتى يجف، هذا تقريبا هو شعورنا بعدما معلشنا!كان من الممكن أن نمعلش أنفسنا ونوفر تلك الساعات والله!!

هل يعتقدون أن بمعلشتنا ستحل جميع مشاكلنا؟ دعنا نتوقف للحظة، سأغمض عيني وأفكر في تلك الكلمة قليلًا، ربما تحمل أكثر من معنى! ربما تحمل سر هذا الكون، ربما هي معجونة بسحر الزئبق الأحمر مثلا، أو ربما تحمل رائحة جنّى صغير هرب من أمه في أولى سنواته الجنّية ولكي لا يفقدون أمل العثور عليه ربطوا رائحته بتلك الكلمة، وكلما زاد استخدامها بين الناس كلما فاحت رائحتة وبانت أكثر وزاد أمل العثور عليه، يا له من جنّي مسكين، إذا التقيت بأمه يوما ما سأعوضها عن فقدانه وأمعلشهابآسى.

حسنًا دعونا نأخذ الأمر على محمل الجد قليلًا، الجميع يمر بظروف قاسية ومختلفة، والجميع يحتاج للبوح من وقت لأخر، ففي نهاية المطاف نحن بشر ولن نحبذ كتمان كل ما بداخلنا حتى نختنق، لذا بعد تفكير لمدة ثواني حرفيًا فى هذا الموضوع قلت لنفسي لما لا نخترع يومًا ونطلق عليه "يوم المعلشة" أو "عيد المعلشة"وليكن تاريخه مثلا من بداية يوم 13 أكتوبر من كل عام، نستيقظ صباحه ونحيّ بعضنا بتحية العيد الرسمية " معلش صباحك" معلش مساءك" ونزور الأقارب والأحباب ونمعلشهم جميعًا، حتى بعد العصر موعد جلسات المعلشة، وهي ليست للجميع ولكن لأكثر المهمومين، وتتم بداخل المطاعم والمقاهي والساحات الفارغة، ويُحضّر لها بوضع صفوف من المناضد المرصوصة بالطول كما في موائد الرحمن.

ونجلس على مقعد وننتظر أن يجلس أمامنا شخص أخر، في البداية نقترع لكي نحدد من يبدأ، ثم يحكي أحدنا ويشكي كل همومه وغمومه والأخر مستمتع في آسى وتركيز، حتى ينتهي تماما فينظر إليه ويستحضر إبتسامة خالد الصاوي ويرد بكل آسى عجيب " معلش " ثم يسلّم عليه ويحضنه حضنًا حارًا، وبعدها يرتاح الشاكي المهموم ويفسح المجال لممعلشه بأن يشرع هو الأخر في إفراغ همومه لكي يمعلشه جيدًا. ويستمرون هكذا طوال ثلاثة أيام حتىيحكي الجميع بإستفاضة حتى ينتهى عيد المعلشة، ولكن يجب أولًا سنّ قوانين تفرض عقوبات رادعة لمن يمعلش أحد في أي يوم أخر!، يجب أن تختفي تلك الكلمة من الوجود طوال أيام السنة! ودعونا نفكر في عقاب لمن يمعلش الأخرين..، ماذا لو يجرد من ملابسه تمامًا ويدهن بعسل أبيض مغشوش حتى يتحول لسكر جلوكوز مع الوقت فيحافظ عليه من آثار الشمس ويبقى حيّا لأطول وقت ممكن، ويوضع حوله نملتين فقط من النمل الأبيض! يتغذون عليه بتمهل شديد، حتى يتدبر في معلشته للناس!!

ويمكن أن نستغل مخترعينا العباقرة المنتشرين بكثرة ونجعلهميصنعون آلة نملأ بها شوارعنا على هيئة رجال نينجا مبرمجين عندما يسمعون كلمة معلش يشهرون السيفين ويقطّعون ذلك الممعلش لمائة قطعة وقطعة فورًا في ثانية واحدة فقط!، وبعدها يقومون بامتصاص القطع من الأرض وتحويلها إلى منَشّات للذباب والناموس مثلًا، لكي نستفيد من إعادة التدوير، فكما ترون كل هذا يخدم المجتمع لكي ننهض بجيل جديد لم يذق من المعلشة ولا معلشة!

جديًا أرى الأمر مخزي للنفس، يمكنك أن تفكر مع من اصطفاك ليحكي لك فقط للحظات وسوف تساعده حقًا أو تخبره أن يكف عن الشكوى من البداية،فليست المعلشة غير طريق يوحي بعدم الإكتراث، إذا لم تكترث أخبره بعدم إكتراثك وسينضج جزء فيه ولن يموت. أو اسمعه للأخر ثم طمأنه بأن كل شيء سيكن بخير وأنه يمكنكما إعادة التفكير في كل الأمور ببساطة وبروية، شيئًا فشيئًا، بدون المعلشة التي تستخف بكل ما يشقي روحه، والتي تجعله يندم على تلك النطفة الصغيرة الموجودة في قلبه والتى حملته على البوح حتى لا تنطفئ مثل أقرانها بداخله.

القلب يختار ويفيض بما فيه نحو من سكنته الروح منذ زمن بعيد. لذا اهتموا بمن مال بالبوح لكم أثابكم الله. اهتموا قبل أن تغلق قلوبهم ويبتلع الهمّ رغبتهم وتحول بينكم وبينهم إبتسامات زائفة وضحكات تخفي الكثير من الصيحات والحسرات التي لا يسمعها سواهم، اهتموا لكي يرسل الله لكم من يهتم بأمركم. فكروا في كل كلمة قبل النطق بها، لا تتفوهو بما لا تعقلونه ولا تفهمونه ولا تقبلون أن يكون رد لكم.