الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فاطمة الزهراء حافظ تكتب : خدعوك فقالوا: "السلام مع إسرائيل"!!

فاطمة الزهراء
فاطمة الزهراء

أصبح الكيان الصهيوني واقعًا يتم التعامل معه بشكلٍ متباين داخل المجتمع العربي الواحد، فهناك شريحة كبيرة لا تعترف بهذا الكيان كدولة، وشريحة أخرى تعلم أنها دولة معادية لكن هي في منأًى عنها، وأخرى تراها دولة لها سيادة وتمثل أمرًا واقعًا، أما الشريحة الأكثر خطورة هي التي تعتقد أنها في سلام مع إسرائيل.

فهذا المسخ المسمى بـ"إسرائيل" ما هو إلا نتاج جهد وتخطيط ومثابرة لليهود منذ آلاف السنين؛ لتحقيق حلمهم بإقامة دولة يهودية تجمع شتاتهم، بالإضافة إلى دعمٍ عالمي على خلفية دينية، أو لرعاية المصالح العليا التي يتحكم في توجيهها اليهود حول العالم، بالإضافة إلى الغفلة والتراخي الذي أنهك الجسد العربي منذ عقودٍ طويلة.

وفي خضام هذه الصراعات فشل العرب في استرداد أرض فلسطين المسلوبة سواء عن طريق الحرب أو السلم، فلم يتبقَّ لهم سوى أمرين لا ثالث لهما؛ كراهية هذا الكيان الذي اختلق لنفسه دولة من العدم، والمقاومة.

ظلت هذه الأفكار مترسخة في الذهن العربي منذ عام 1948، و ازداد العداء والكراهية لهذا الكيان الغاصب مع تكرار اغارته على مصر ولبنان والجولان، بالإضافة إلى همجيّته وارهابه المستمر ضد الشعب الفلسطيني.

مرت الأعوام ودخلت بعض الدول بالوطن العربي في "سلامٍ مستحيل" مع دولة الاحتلال الإسرائيلي لتهدئة الوضع على الصعيد السياسي،ما اعتبرته الشعوب العربية خيانة عظمى وشكلًا من أشكال التطبيع الجبري المشين الذي لا يمكن قبوله.

استطاعت الحكومات العربية تهدئة الوضع بالشارع العربي عن طريق فكرة فصل مصالح الدولة بالسلام مع "إسرائيل" عن فكرة الاحتلال والمقاومة المترسخة لدى الإنسان العربي.

ولكن مع مرور الوقت أصبحت فكرة "العدو الإسرائيلي" تمثل نظرية عتيقة ومتجمدة، تحولت بالنسبة للبعض إلى شعارٍ قديم الطراز لا يتوافق مع واقع عالمنا الحالي الذي أصابت الفتن به كل الثوابت.

ما وصلنا إليه في هذه الأيام ليس فقط من رتابة حالة اللا سلم واللا حرب التي نعيشها مع هذا الكيان، إنما هي "حرب فكرية منظمة" من الداخل والخارج.

فداخليًا استطاعت الحكومات العربية أن تخدم المصالح الإسرائيلية -بقصد أو بدون قصد- عن طريق عدم تسليط الضوء على ما يدور حولنا من إرهاب منظم بحق الشعوب العربية والمنطقة، والالتفاف حول مصالح الدولة والمواطن التي يحكمها الخلل مما أدى إلى عدم إيجاد الوقت للالتفات إلى أزمات الغير.

بالإضافة إلى زرع الكراهية بين الشعوب العربية وبين فصائل الشعب الواحد، عن طريق الاختلافات السياسية التي خلقها واقع الاحتلال وسياسية الخفية.

فالوطن العربي وصل إلى مراحل خطيرة من الصراعات الداخلية، مرورًا بمصر وليبيا، وصولًا لفلسطين وسوريا ولبنان، حتى العراق واليمن.

هذه الصراعات ليست سياسية أو دينية فحسب، ولكنها في بعض الأحيان ضد الإرهاب الذي خلقة الاحتلال بوجوده في قلب هذا الجسد العربي، بالإضافة إلى دعمه غير المباشر له.

مع ابتعاد دولة الاحتلال -ظاهريًا- عن الصراعات الدائرة على الساحة العربية، خرجت أجيال ترى "إسرائيل" دولة مسالمة؛ تشاركنا حدودها ومصالحها، نرى أبطالها في أفلامنا اليومية، ونرى اسمها منقوشًا على خرائطنا المدرسية؛ دولة تعيش على النمط الغربي الذي يحاول الشباب العربي محاكاته في كل لحظة.

تلاشت الأفكار المناهضة للصهيونية وأصبحت حكرًا على المثقفين والقرّاء فقط، والمعارضين لدولة الاحتلال أصبحوا ذوا تفكيرٍ متطرف وأعداءً للسلام، ويصفهم البعض بالواهمين المنفصلين عن الواقع الانفتاحي الذي أفقدنا هويتنا بعد كرامتنا.

فعلى أقصى تقدير، يدرك البعض أن هناك احتلال إسرائيلي لدولة فلسطين وكفى! دون الوعي بأي شيءٍ أخر، فغالبية الشباب العربي لم تدرك مسامعه قضية القدس، والاستيطان، والعودة، والأسرى، وقضايا الداخل المحتل، أو اللاجئين.

غيبوبة فكرية أصابت الوطن العربي فزادته ضعفًا ووهنًا؛ يسأل عنها الأجيال التي سبقتنا ولم تخبرنا بالخطر القابع على أراضينا؛ تسأل عنها سياسات الدول العربية التي وجهت الإعلام لإخفاء الحقائق وقمع الاحتجاجات وحرية الرأي والمقاومة المشروعة التي تكفلها القرارات الدولية وشريعة السماء؛ فهذه الأفعال لا تقل إرهابًا عن اغتيال دولة الاحتلال الإسرائيلي للمثقفين والأدباء والمبدعين الذين حاولوا -عبر أفكارهم وأقلامهم- بعث فكرة الوطنية والمقاومة من جديد.

أخذ التطبيع مع الاحتلال شكلًا أكثر تعمقًا -وإن كان في السابق بشكلٍ سرّي- عن طريق تبادل الزيارات، ونشر الأفكار المتبادلة، والمدح السياسي الزائف والثناء على بعض السياسات؛ كون ما أصبحت عليه إسرائيل طرفًا أساسيًا لكل ما يدور في الشرق الأوسط!
فمع الابتعاد عن السياسة الخارجية، وانشغال الشباب بالمستقبل الحالم، ونشر فكرة "السلام المستحيل" مع إسرائيل، بالإضافة إلى تدهور الثوابت الوطنية والدينية، مع الاعتراف بإسرائيل كدولة ذات ثقل لا يستهان به، وتقبل الوضع الفلسطيني كأمر واقع كتبه الله عليهم؛ يأتي دور إسرائيل المباشر لاستكمال "الحرب الفكرية" على المواطن العربي؛ فقد انشغلت إسرائيل بالمواطن العربي وركزت على نمط شخصيته وحياته بشكلٍ يفوق تحليل العربي لنفسه وشخصيته.


فمن منطلق "اعرف عدوك" كثفت إسرائيل من دراستها للغة العربية وترجمة الكتب والمقالات والنشرات الإخبارية والتحاليل السياسية.
راقبت عن كثب نمط الحياة للشخص العربي، وطريقة تفكيره وثوابته ومرجعيته، حتى وصلت إلى محاكاة الشخصية العربية بشكلٍ كامل عن طريق فرق "المستعربين" التي تخللت داخل المجتمعات العربية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي لبث ما تراه إسرائيل لصالحها ولتدمير ما يشكل خطرًا على واقعها الهش.

فعلى سبيل المثال؛ الصفحات الإسرائيلية باللغة العربية والموجهة للشباب العربي على شبكات التواصل الاجتماعي؛ تعتبر من أكثر المحاولات الإسرائيلية -المباشرة- خطورةً على الأفكار والثوابت.

ومن أبرزها وأشدها خطورة صفحة "أفيخاي أدرعي- Avichay Adraee" ، المتحدث بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي للإعلام العربي، وصفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية"، و"أوفير جندلمان- Ofir Gendelman" ، و"قف معنا بالعربية- stand with us Arabic".

ما إن تتجول داخل سطور هذه الصفحات وتنسى للحظة أنها صفحات إسرائيلية، ينتابك شعور بالارتياح والإعجاب تجاه هذه الدولة؛ فهذه الصفحات ترحّب بكل روادها وتدعو بالسلام لكل الشعوب وتبارك جيشها الباسل الحامي للوطن العريق (إسرائيل)!
ليس هذا فحسب، بل تستغل بعض العلاقات مع الشخصيات العربية، لوصفهم بمحبي دولة إسرائيل وأنهم يتمتعون مع الشعب الإسرائيلي بعلاقة مودة وصداقة قوية.

وبالطبع تصف الشعب الفلسطيني بالشعب الضال تحت ظل الإرهاب والعداء للسلام، ونعت المقاومين بالمخربين، ووصف العمليات العسكرية الإسرائيلية -مثل الحرب على غزة- بالعمليات البطولية التي تقوض الإرهاب وتسعى لنشر السلام.

لم تكمن الخطورة في هذه المنشورات فقط، إنما أشد الخطر في عدد المتابعين لهذه الصفحات من العرب، بالإضافة إلى الشجار الدائم والمشتعل في تعليقات رواد هذه الصفحات؛ الأمر الذي يدق ناقوص الخطر بشأن من يدافع عن "إسرائيل" في اعتقادٍ منه أنه بذلك يتمتع بعقلية ديموقراطية متفتحة.

فهذه المنشورات لم تنجح فقط في نشوب الخلاف بين مؤيد ومعارض لدولة الاحتلال، وإنما وصلت إلى عرض مباشر لحرب "عربية-عربية" عن طريق نشر السلبيات الداخلية لبلادنا وانتقاد كل دولة للأخرة في مشهدٍ يدعو للأسى ويسجل نقاطًا لصالح الجانب الصهيوني.