الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

العدوان على "الأزهر" .. عدوان على مصر


قد يستغرب البعض أنني كمصري مسيحي أتناول قضية تتعلق بمؤسسة إسلامية عريقة وهي مؤسسة الازهر الشريف ، مع أنني من قبل كتبت عدة مقالات تصديت فيها لكثير ممن هاجموا الأزهر كمؤسسة وطالبوا بإدراجها " كمنظمة إرهابية" ، وفي ذات الوقت كانت لي عديد من المقالات التي انتقدت فيها قضايا مهمة في الأزهر كالمناهج التعليمية التي كانت تزج بأفكار وهابية متطرفة تحض على القتل والإرهاب والحرق والتطرف ومُعاداة المختلف في الدين وحتى المختلف في المذهب داخل الدين الواحد؛ وللعلم هي أفكار بعيدة كل البعد عن الإسلام وسماحته ووسطيته ، وهي أفكار لفقهاء يصيبون ويخطئون وليسوا آلهة منزهة عن الآثام والشرور.

وكذلك انتقدت سيل الفتاوى من غير المتخصصين الذين يسيئون للأزهر والإسلام حول العالم خاصة الفتاوى التي تحض على القتل والحرق والذبح والإرهاب الذي يرفضه الإسلام وكافة الأديان والقيم الأخلاقية والإنسانية.

نعم .. انتقدت كمصري مثل هذه الأمور حفاظاً على قيمة ومكانة وسمعة هذه المؤسسة العريقة وشريكة الكفاح والنضال مع الكنيسة المصرية عبر التاريخ في مواجهة قوى الإحتلال والإستعمار وتفتيت وحدة مصر وضرب نسيجها الوطني ، إلا أنني لحظت مؤخرا ً ما يمكن أن أصفه بـ " حملة غوغائية مسعورة " هي أقرب إلى الخُطة المُمنهجة التي تستهدف الأزهر كمؤسسة عريقة ومنارة للإسلام حول العالم ، في محاولة أرى أنها فاشلة وبائسة لإقصاء دوره وتأثيره القوي وقوته الناعمة التي لا يمكن لعاقل إنكارها في في نفوس المسلمين وغيرهم حول العالم.

فلا يوجد منصف يستطيع أن ينكر الدور الوطني للأزهر في كل الأحداث الجسام التي مرت بها مصر من أيام الإحتلال الفرنسي والبريطاني حتى يومنا هذا ، وكيف كان الغازي والمحتل الأجنبي يحاول خطب ود الأزهر وإستمالته بل واستعطافه لإنفاذ مخططاته الإحتلالية والإستعمارية الآثمة ، وكيف وقف الأزهر بقوة ضد هذه المحاولات منتصرا لمصر ووحدتها واستقلالها وسيادتها ، حتى بعض رؤساء مصر كانوا يحاولون تطويع الازهر لتمرير اجندات سياسية معينة ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا ، كما أن هناك رؤساء كانوا يتخذون من الأزهر منبرا ً وبوقا ليلهبوا العاطفة الوطنية للمصريين في مواجهة الإستعمار مثل الرئيس عبد الناصر.

ولا يمكن أن ننسى الدور الوطني الأصيل للازهر الشريف في ثورة 1919 وكيف وقف أبيًا شامخًا ضد الإحتلال وكيف حافظ بكل قوة على وحدة وترابط النسيج الوطني بين المسلمين والأقباط ، وكيف خطب القساوسة على منابر المساجد والشيوخ في الكنائس في مشهد عجيب لا يحدث سوى في مصر لمناهضة العدوان والإحتلال الأجنبي ، ولا يمكن أن ننسى أيضًا دور الأزهر الشريف في ثورتي 25 يناير 2011 و 30 يونيو 2013.

وكيف دعم الأزهر وشيخه وعلماؤه الأجلاء الدولة المصرية وجيشها وشرطتها ووحدتها ، وأكد عبر بيانات واضحة وحاسمة على سلمية تظاهرات الشباب الثائر من أجل العيش والحرية والعدالة الإجتماعية والتغيير للأفضل ، الأمر الذي كان له بالغ الأثر في إفشال مخطط تفتيت الدولة المصرية على أسس مذهبية ودينية ، ولا يمكن أن ننسى أيضا ً ــ لكي نكون منصفين ــ الحملات المسعورة التي تعرض لها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وقت حكم الإخوان ، والمخططات الشيطانية التي كانت تتم على قدم وساق لكي يختطف مكتب الإرشاد الازهر الشريف لأخونته كلية ــ طلبة وهيئة تدريس".

ولمن لا يعلم فأن عدد طلبة الأزهر المنتمين لجماعة الإخوان يقترب من نصف إجمالي عدد الطلبة وذلك وفقًا لتصريح للشيخ أحمد الطيب نفسه خلال لقائه بالرئيس المعزول محمد مرسي وقت حكم الإخوان ـ وبعض رجال التدريس في جامعة الأزهر العريقة ، وجاحد من يتجاهل كيف كانت جماعة الإخوان تريد انتزاع فتاوى من شيخ الأزهر لتأييد وتمرير بعض مشروعاتها الجهنمية مثل مشروع الصكوك الإسلامية الذي كان سيضيع أصول الدولة المصرية ويهدرها ؛ حيث وقف وقتها شيخ الأزهر وبعض شيوخ الأزهر الأجلاء منتفضين ضد المشروع وتحدوا عنفوان الجماعة وسلطة مكتب الإرشاد ، واحبطوا المشروع الجهنمي في مهده.

هل نسى أحدكم تهديدات " أيمن الظواهري " زعيم تنظيم القاعدة لشيخ الأزهرد. احمد الطيب ومطالبته للرئيس المعزول محمد مرسي باعتقاله في مكالمة مسجلة نشرتها بعض وسائل الإعلام ؟ ويذكر التاريخ أن اللورد كرومر قال إبان الإحتلال الإنجليزي لمصر ( إننا لا نستطيع أن نمتلك الشرق إلا إذا محونا القرآن من قلوب المسلمين وسلمنا الأقصى لليهود وأبدنا الازهر من مصر ) " مجلة التوحيد العدد السادس ص 5 " ، انتهى الإقتباس".

كما يقول الجبرتي في إحدى رواية له عن جرائم الإحتلال الفرنسي ومحاولته للقضاء على الازهر " : ثم دخلوا إلى الجامع الأزهر وهم راكبون الخيول، وبينهم المشاة كالوعول، وتفرقوا بصحنه ومقصورته، وربطوا خيولهم بقبلته. وعاثوا بالأروقة والحارات، وكسروا القناديل والسهّارات، وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكتبة، ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع، والودائع والمخبآت بالدواليب والخزانات، ودشتوا الكتب والمصاحف على الأرض وطرحوها، وبأرجلهم ونعالهم داسوها، وأحدثوا فيه وتغوطوا وبالوا وتمخطوا، وشربوا الشراب، وكسروا أوانيه والقوها بصحنه ونواحيه. وكل ما صادفوه به عرّوه، ومن ثيابه أخرجوه " المرجع (عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، مكتبة الأسرة، 2003. ج: 5، ص: 44) .

وفي رأيي الشخصي أن محاولة القضاء على الازهر ودوره وتأثيره القوي وقوته الناعمة هو جزء من مخطط استعماري قديم وممتد لهدم وتفتيت وتقسيم الدول العربية وضرب وحدة مصر في مقتل لإعادة استنساخ مخطط التفتيت والتقسيم لتكون مصر بلا مرجعية دينية ولإخماد دوره الوطني الذي هو أحد اهم مرتكزات ودعائم الدولة المصرية.

وبالتالي فأن أي سلطة أو جماعة او مجموعة تتخيل في نفسها أنها تستطيع القضاء على هذه المؤسسة العريقة واهمة لانها لم تقرأ التاريخ ، لأن العدوان على الازهر كمؤسسة وطنية ومنبر للإسلام الوسطي حول العالم هو عدوان على شعب وسيادة أمة ، فالأزهر كمؤسسة لا مساس بها.

واختلف كما تشاء مع السياسات والآراء وانتقد بلا هوادة أي سياسات إدارية خاطئة تكشف أي خطأ في هذا الصرح العظيم لأجل تطويره ومواصلة إصلاحه لكن الضرب في المؤسسة نفسها مرفوض جملة وتفصيلا.

ومن هنا فأنني أطالب فضيلة شيخ الازهر بمحاصرة الفكر الإخواني والمتشدد في المؤسسة الأزهرية وتعديل المناهج التعليمية لتكون معبرة عن سماحة الإسلام ووضع وتحديد تعريف لــ " الجهاد والتكفير" من منظور الإسلام وليس من منظور فقهاء التطرف والتشدد وترجمة هذا التعريف إلى جميع اللغات ونخصيص عدة خطب في يوم الجمعة لعرض تعريف هذين المصطلحين على البسطاء والمصلين كي لا يقعون فريسة للإستقطاب والتشدد والغلو ، وكذلك مراقبة المبعوثين من دول أخرى ، وتتبع منابع الصرف والإنفاق على هذه المؤسسة العريقة التي تمولها ميزانية الدولة المصرية خاصة وأن اخر ميزانية للأزهر بحسب تقارير منشورة عام 2012 تقترب من 13 إلى 14 مليار جنيه.

كما يجب أيضا محاسبة ومراقبة شيوخ التطرف والإرهاب والتكفير والدم ووقفهم عن الخطابة ومحاسبتهم بالقانون لتحريضهم على الفتنة وإثارة النعرات الطائفية والتكفيرية والتحريض على قتل المختلفين معهم ، والأهم هو التصدي وبلا هوادة للفتنة المذهبية التي تعتبر أحد أهم مخططات التقسيم والتفتيت والتأكيد على وحدة المسلمين في مصر.

وفي رأيي أن أي مسئول في الأزهر يخطئ أو يثبت تورطه في اعتناق فكر متشدد ومتطرف أو يثبت انتماؤه لجماعة مضادة للدولة المصرية ووحدة ولصورة الإسلام الصحيح سواء من هيئة كبار العلماء او من الطلبة أو هيئة التدريس فيجب أن يلاحق بالقانون وبلا هوادة لأن ليس أحد فوق النقد أو المحاسبة ، أما الازهر الشريف كمؤسسة فأنصحكم عدم المساس به أو محاولة هدمه .. لأن ذلك لن يخدم مصر ووحدتها و"النبيه بالإشارة يفهم ُ".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط