الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سقوط داعش يعني نهاية أردوغان


معظمنا تابع عملية الاستفتاء على الدستور التركي الذي جرى خلال الأسبوع المنصرم والذي كانت نتائجه مليئة بالشكوك والريبة والقلق بالنسبة للداخل التركي وكذلك تأثيره اقليميًا وحتى دوليًا. تم تمرير هذا الاستفتاء بـ "نعم" مخجلة بالرغم من كافة الألاعيب التي تمت من قبل مرتزقة أردوغان وعمليات التزوير التي اعترفت بها المنظمات الدولية ناهيك عن المراقبون المحليون من أحزاب المعارضة. والتي أقرّت حدوث تلاعب بأوراق التصويت وكذلك بصناديق الاستفتاء على مرأى الأعين، ونشرت الكثير من مقاطع الفيديو التي تثبت عمليات التزوير والتلاعب بالاستفتاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي تعتبر الاعلام الشعبي البديل للإعلام الرسمي الموالي دائمًا للسلطة الحاكمة بالرغم من قلة مصداقيته على المستوى الرسمي، إلا أنه أظهر للعالم أن هناك عمليات تلاعب كبيرة تمت أثناء وبعد الاستفتاء. وبحسب لجان مراقبة الاستفتاء أنه تم التلاعب بأكثر من مليونين ونصف من الأصوات لصالح "نعم" وأن هذا الرقم كاف لتغيير النتيجة بشكل كبير لصالح الـ "لا".

النتيجة غير المتوقعة كانت ليس التصويت بـ "نعم" لصالح نجاح الاستفتاء بفارق بسيط جدا، بل كانت خسارة الـ "لا" التي كانت متوقعة جدًا، لأن التصويت على مثل هذا الدستور تحت قناع الصندوق هو الحكم الديمقراطي بين المنتخبين سيؤدي لنتائج كارثية على الداخل التركي قبل الخارج.

القراءة المختلفة لهذا الاستفتاء ليس تصويت الشعب على قبول النظام الرئاسي بقدر ما هو توجه الشعب نحو العبودية أكثر فأكثر، وكأنه يقول نحن شعوب الشرق الأوسط لا نفهم الديمقراطية ولا تعدد الآراء، بل نبحث عن ديكتاتور يحكمنا ويقتلنا ويغتصبنا ويسجننا متى ما شاء، وليس من المهم ماذا سيكون اسمه، إن كان سلطانًا أو امبراطورًا أو ديكتاتورًا، المهم فقط أن يكون هناك متسلط ومستبد على رؤوسنا ورقابنا. هكذا كان تاريخنا منذ آلاف السنين ونرغب بأن يستمر كذلك. هذا هو حال لسان الذين صوتوا بـ "نعم". وكأنهم لا يعلمون أن المنطقة تتجه نحو القضاء على الديكتاتوريين وخاصة أننا نلج القرن الحادي والعشرون، الذي ستكون سمته الرئيس هي توجه الشعوب نحو حريتها وكرامتها وأن تحكم نفسها بالرغم من كافة محاولات الطغاة بأن يتمسكوا بكرسي السلطة. وهذا ما رأيناه في بعض أنظمتنا في منطقة الشرق الأوسط التي تقدم شعوبها قربانًا لبقائها في السلطة تحت مسمى مجابهة الامبريالية والحداثة الرأسمالية التي جاءت لتقسيم المنطقة وأنه هناك مؤامرة كونية على الشعوب والدول. 

لكن الحقيقة ليست كذلك البتة في أن المنطقة ستحترق إن ذهب الطاغية، بل على العكس تمامًا ستنتعش الحرية وكرامة الانسان أكثر إن نحن تخلصنا من فكرنا وثقافتنا العبودية التي تربينا أو ربونا وثقفونا عليها منذ طفولتنا. فالبحث عن الحرية لا يتم بالقضاء على الطغاة فقط أو حرق وتدمير المؤسسات الحكومية، بقدر ما تكون القضاء على ثقافة العبودية والتخلف والجهل التي تعشعش في عقولنا وذاتنا. أي أنه ينبغي علينا تحرير أنفسنا من ثقافة العبودية والجري وراء الطغاة والبحث عن فتات العيس حول موائد السلطان كما تفعل حاشية السلطان أو الملك، الذين يمثلون صنف المنافقين والمتملقين الذين يبيعون ذاتهم وشعبهم من أجل أن يرضى عنهم السلطان. 

ما الفرق بين داعش وعقليتها ونهجها التي تذبح وتقتل وتغتصب وتحرق البشر والحجر والشجر، وبين أردوغان 
الذي أيضًا يقتل ويذبح ويغتصب أمل الشعوب في نيل كرامتها وحريتها. فهدف داعش هو ترهيب الشعوب بأفعالها الوحشية وقتل الأمل في البحث عن حياة أفضل وأنهم أي الدواعش هم من يمثلون الاسلام الحقيقي، وكذلك هدف أردوغان أيضا هو نفسه ترهيب الشعوب وقتل الأمل من خلال صناديق الاستفتاء أو الانتخاب وذلك عبر نفس الوسائل ويقول أنا من يمثل الديمقراطية الحقيقية. فداعش يستخدم القوة المفرطة والفظة التي تقشعر لها الأبدان بينما أردوغان يستخدم صناديق الاستفتاء في قتل أمل الشعوب في الحرية والكرامة وإرادتها. فما بين اسلاموية داعش الانموذج الديمقراطي لأردوغان ضاع وقتل واغتصب الأمل.

نفس الوسائل وإن اختلفت بين الفظة والمرنة لكن يبقى الهدف واحد. يعلم اردوغان علم اليقين أنه اقتربت نهاية داعش في العراق وسوريا وأن الخناق يضيق عليهم أكثر وأكثر، لذلك يحاول بكل جهده إنقاذهم من هذا المأزق الذي هم فيه ويعلم أنه بسقوط داعش يعني نهاية اردوغان ووجوده. قالها أردوغان قبل وبعد عملية الاستفتاء أنه لم تنتهي مخططاته في سوريا والعراق وأنه سيستمر بها بعد الاستفتاء. وهذا ما يحضر له للتدخل العسكري في شمالي العراق تحت حجج واهية وهي محاربة حزب العمال الكردستاني PKK وضم هذا الجزء إلى تركيا باعتباره جزء من الامبراطورية العثمانوية، وكذلك تدخله في شمالي سوريا بحجة محاربة حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وضم هذا الجزء أيضًا لتركيا باعتباره جزء من الامبراطورية العثمانوية. لكن المعرقل الوحيد لإفشال هذا المخطط منذ سنوات هم الكرد الذين لقنوا داعش دروس كبيرة في المقاومة ودحرهم من المنطقة، لذا نرى أردوغان يصب جام غضبه عليهم وعلى قواتهم العسكرية المدافعة عن وجودهم وكرامتهم المتمثلة في وحدات حماية الشعب والمرأة.

الأيام المقبلة ستشهد أيامًا ساخنة بين المقاتلين الكرد والجيش التركي إن كان في شمالي العراق أو شمالي سوريا، وهو ما سيحدد شكل المنطقة وجوهرها الديمقراطي أو الثيوقراطي. لكن دائمًا وأبدًا علمنا التاريخ أن ليست "القوة" دائما هي الفيصل في تحديد النتائج، بل هو "الحق" وإن طال الزمن.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط