الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فصل ودمج الوزارات.. فرصة أم فوضى؟


لقد شهدت مصر العديد من التغيرات السياسية والدستورية على مر تاريخها ويعتبر القرن التاسع عشر شاهدًا على ميلاد الهيكل الإداري الحديث للدولة المصرية مع التطورات الهامة التي لحقت وصول محمد على باشا للسلطة مثل الاستقلال عن الدولة العثمانية وطموح محمد علي العظيم لتأسيس مصر الحديث بمعايير أوروبية.

لماذا لا توجد وزارة (تعمير الصحراء) على غرار السد العالي.

وتعتبر ثورة يوليو 52 بداية هامة للعصر الحالي الذي نعيش به حيث تم بناء الكثير من أركان الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية على ميراث العهد الناصري. ومع إدراك الرئيس الراحل عبد الناصر لقيمة هيكل إداري فعال يخدم أهداف التنمية بالبلاد، لم يضيع وقتًا إذ خصص وزارة لبناء السد العالي بقرار جمهوري محدود الفترة الزمنية حيث يتم حذف الوزارة من الهيكل الإداري للدولة بمجرد إنتهاء عملية التشييد.

ذلك الأمر الذي يدفعني للتساؤل: لماذا لا توجد وزارة لتعمير الصحراء؟ على الرغم من شغل هذه الرقعة الصفراء أكثر من 90% من أراضي القطر المصري وافتقارها للكثير من الاستثمارات في البنية الأساسية والخدمات والطاقة على سبيل المثال لا الحصر. على مدى مئات الكيلومترات حتى تبلغ حدود ليبيا والسودان أو البحر الأحمر، لن تجد شيئا يذكر سوى طرق قليلة تربط المدن الرئيسية في وقت تُصر الحكومة على ضخ مزيد من الأموال لبناء الكباري والأنفاق داخل القاهرة المستهلكة والهالكة، هذا علاوة على استغلال الجماعات الإرهابية فراغ تلك الأراضي الشاسعة لتحقيق أغراضها.

وعلى الرغم من العيوب التي شابت الفترة الناصرية، إلا أنها لا تزال تلقي بظلالها على الحاضر المصري، ويعتبر اعتماد 'موازنة البنود' أكبر تلك الأخطاء لأنها توزع المخصصات المالية لكل وزارة على أساس بند دائم دون النظر للأهداف والأنشطة المدرجة بخطة الوزارة هذا بجوار غياب المتابعة والتقييم لأداء الوزارات على مدار عقود طويلة.

وللأسف تم إهدار مبالغ مالية طائلة بسبب تركيز موازنة البنود على معيار الكم وليس الكيف وعلاوة ذلك يحرق بند الأجور والمرتبات أكثر من نصف الموازنة، إنها أموال طائلة تُصرَف على جهاز إداري بيروقراطي مترهل يتجاوز عدد موظفيه الستة ملايين دون إنتاجية أو مخرجات ملموسة تخدم سياسات التنمية والإصلاح الفعلي بالبلاد، وعلى الرغم من تنفيذ الدولة برامج عديدة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري وتحويله من عبء إلى قوة دفع إلا أن تلك البرامج لم تكن موفقة.

وعلى الرغم من إقلاع أغلب الدول عنها إلا أن الحكومة المصرية لا تزال مصرة على التمسك بموازنة البنود رغم أنها تزيد من إهدار المال العام وعفا عليها الزمن بالفعل!! إذًا لماذا هذا الإصرار؟

وتعتبر دول الاتحاد الأوروبي مثل الدنمارك وهولندا وألمانيا رائدة في تطوير وتنفيذ أنواع جديدة من الموازنات مثل (موازنة البرامج) حيث يتم أولًا دراسة احتياجات كل وزارة ثم رسم الأهداف الواضحة وبناء عليها يتم وضع برامج وتخصيص مبالغ مالية لها وبعد انتهاء فترة التنفيذ يتم تقييم مدى النجاح في تحقيق الأهداف ومساءلة القائمين على الخطة.

موازنة البنود.. وضحاياها!

وتعتبر جهود وزارة التربية والتعليم لتطوير منظومة التعليم مثال قوي لهذا الوضع المزري وأحد ضحايا موازنة البنود حيث تم تخصيص مليارات لتطوير المدارس وبناء أخرى جديدة وتزويدها بأحدث الأثاث والتكنولوجيا التعليمية دون إبداء أي أهمية لتقييم جودة مخرجات تلك المدارس ليتم تخريج ألاف الطلاب سنويًا بلا تأهيل لسوق العمل سواء في مستوى اللغة الإنجليزية أو مهارات تتعلق باحتياجات الاقتصاد الوطني هذا فضلًا عن ضعف أجور العاملين في هذا القطاع وغياب التناسب بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، ذلك الأمر الذي يجبر الدولة على انفاق أموال طائلة فيما بعد لتدريب الشباب وتأهيلهم لنيل فرص عمل لا تتناسب غالبًا مع تعليمهم الذي أنفقت عليه الدولة من ميزانيتها مليارات الجنيهات... حقًا إنها معضلة!

وفي هذا السياق، يجب إلقاء الضوء على وزارة التطوير الحضري والعشوائيات التي تم إنشائها في يوليو 2014 بهدف متابعة تطوير المساكن العشوائية والحفاظ على المظهر العمراني الحضاري بمصر، ذلك كان الهدف وعلى أساسه تم تعيين د. ليلى إسكندر على رأس هذا الكيان الوليد وتخصيص مبلغ مالي مستقل كموازنة له ومبنى إداري متقزم أمام جامعة الأزهر لا تكاد تراه إذا مررت أمامه بسيارتك.

لكن بعد 14 شهر فقط تم إلغاء الوزارة ونقل صلاحياتها لوزارة الإسكان، هل التطوير الحضري لم تحقق هدفها؟ أم أن صانع القرار قد أدرك خطأه ببناء تلك الوزارة بالأساس؟ وإذا كان السبب يتمثل في إخفاق الوزارة.. لماذا لم يتم الوقوف على أسباب الإخفاق؟

هذه الوزارة تذكرني بوزارة الشباب والرياضة التي نالت وضع قانوني ومسميات عديدة خلال عقود قليلة جدًا مثل المجلس الأعلى للشباب والرياضة ثم المجلس القومي للشباب والمجلس القومي للرياضة ثم وزارة الدولة للشباب ووزارة الدولة للرياضة ثم دمج كلاهما في وزارة الشباب والرياضة على الرغم من اختزال الدمج على الورق فقط مما تسبب في ازدواج الأجهزة داخل الوزارة التي يفترض أنها وزارة واحدة مثل أجهزة الوزير مما يكلف ميزانية الدولة مبالغ طائلة يتم إنفاقها على عدد هائل من وكلاء الوزارة ومديري العموم الذين يزيد عددهم على خمسين مدير عام.

أعتقد أن الأمر له بعد أكبر لا يقتصر فقط على التطوير الحضري والشباب والرياضة، إذ يُطرح تساؤل أوسع وهو:
هل فصل ودمج الوزارات يمثل فرصة لتحقيق الإصلاح أم فوضى وتخبط في صنع القرار؟ وكيف يتم فصل وزارات ودمج أخرى؟ هل هناك أساس أو هدف مسبق يتم بناءً عليه هذا الفصل أو الدمج قبل تنفيذه فعليًا، ولماذا المسميات الطويلة لبعض الوزارات مثل وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري رغم أن كلمة (تخطيط) تشمل بمضمونها الكلمات التالية لها كالإصلاح والمتابعة!!.

وهل التنمية ترتبط بعدد الوزارات أو الأجهزة الحكومية بالدولة أم أنها ترتبط بوضع سياسات اقتصادية واضحة تستند لرؤية صائبة وتُترجَم لخطط صارمة الأهداف والرؤية والخط الزمني والميزانية والمتابعة والتقييم والرقابة والمساءلة!.

ويفصلنا أسابيع قليلة منذ أخر تشكيل للحكومة الذي جرى في فبراير 2017، حيث لا يمكن الجزم بعدد الوزارات لأننا قد نستيقظ غدًا لنجد عددا مختلفا بالزيادة أو النقصان طالما استمرت حاجة البلاد لسياسة إصلاح قوي تؤسس منظومة إدارة شاملة. كما أن عدم استقرار عدد الوزارات لدولة عمرها آلاف السنين في حد ذاته يخلق انطباع سلبي جدًا لدى المستثمر الأجنبي هذا بالإضافة للفترة الاقتصادية الصعبة حاليًا والتي تتطلب مزيدا من التقشف لا مزيدا من الوزارات.

ولا يزال هناك وزارات كثيرة تتطلب الدمج لأنها تؤدي وظيفة دقيقة جدًا يستطيع قطاع أو إدارة مركزية داخل وزارة واحدة أخرى القيام بمهام هذه الوظيفة دون تكبيد البلاد مرتب وزير مستقل وميزانية مستقلة للقيادات التابعة لمعالي الوزير مثل وزارة الكهرباء ووزارة الطاقة ووزارة البترول ، وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووزارة البحث العلمي ، وزارة الزراعة ووزارة الري ، وزارة الصناعة ووزارة التجارة ووزارة قطاع الأعمال العام ، وزارة السياحة ووزارة الأثار ، وزارة القوى العاملة ووزارة الهجرة ، وزارة التخطيط ووزارة المالية.

وعلى الجانب الأخر، تغيب وزارات أخرى عن الهيكل رغم الضرورة الحيوية لوجودها مثل استصلاح الصحراء كما أوضحت سابقًا. وإذا كان هذا هو حال الوزارات، فماذا عن الهيكل الداخلي لكل وزارة وأداء الموظفين داخل هذا الهيكل.. هل تتشارك نفس الحال؟.

في نهاية المطاف، يظل الفصل والدمج أدوات، ويتوقف نجاح الحكومة على أدائها الفعلي في مواجهة مشاكل الشعب الغلبان سواء بثلاثين وزارة أو بألف وزارة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط