الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قناة القوقاز .. تحدي جديد لقناة السويس!


لأكثر من قرن.. احتلت قناة السويس المكانة الأولى في الطرق الملاحية التي تربط بين الشرق والغرب لتصبح البديل المثالي لطريق رأس الرجاء الصالح، الذي كان يستهلك وقتًا ومسافة أكبر بكثير بالالتفاف حول سواحل أفريقيا، وصاحب افتتاحها تنامي مطامع استعمارية عديدة للسيطرة عليها.

وتعتبر التفريعة الجديدة التي تم حفرها وإلحاقها بقناة السويس في وقت قياسي إضافة جديدة لإمكانيات قناة السويس سواء في القدرات التخزينية أو سيولة حركة السفن.

وعند المقارنة بين قناة السويس وممرات بحرية أخرى حيوية بالعالم مثل معبر البسفور بتركيا وسنغافورة بجنوب شرق أسيا، نجد قناة السويس أقل تجهيزًا وإيرادًا على الرغم من شغلها موقع جيوسياسي أهم بكثير من منافسيها.

والأمر الذي ضاعف المنافسة مع قناة السويس، سعي الدول الحثيث نحو خلق طرق برية وبحرية جديدة تربط أقصى أطراف أسيا بنصف العالم الغربي مرورًا بالشرق الأوسط وأسيا الوسطى وشرق أوروبا. 

أينما مرت سفن التجارة، دبت الحياة بعبور رؤوس الأموال والسلع والاستثمارات العملاقة.. هذه هي المعادلة البسيطة خلف سعي الدول الحثيث لربط مدنها بالممرات الدولية.

ويعتبر ممر القطب الشمالي آخر المشاريع المقترحة كبديل لقناة السويس، خاصة مع ظهور مخاطر القرصنة أمام سواحل الصومال المقابلة لباب المندب هذا فضلًا عن الاضطرابات السياسية والعسكرية المزمنة التي تستوطن الشرق الأوسط.

هذا الممر لا يزال فكرة منافِسة لقناة السويس وقناة بنما أيضًا الرابطة بين المحيطين الأطلسي والهادي لتسهيل إنتقال التجارة ما بين السواحل الغربية لأمريكا الشمالية وأوروبا. 

يبدأ ممر القطب الشمالي من موانئ شرق أسيا مثل يوكوهاما اليابانية ويتجه شمالًا مباشرة نحو القطب الشمالي ليخترقه على طول السواحل الروسية ثم ينحرف جنوبًا بمجرد بلوغه السواحل النرويجية ليتجه جنوبًا نحو بحر الشمال بغرب أوروبا والموانئ الرئيسية هناك مثل لندن وروتردام وهامبورج ليقطع نحو 8452 ميلا بحريا إذا بدأت الرحلة البحرية من يوكوهاما باليابان وانتهت في روتردام بهولندا، لكن إذا أبحرت السفينة بين نفس المدينتين عبر قناة السويس فإنها تقطع مسافة قدرها 12894 ميل أي تبلغ المسافة الزائدة نحو5 آلاف ميل بحري وهو فارق ضخم جدًا يتم ترجمته مباشرة لوقت وأموال عند إختيار شركات الشحن والنقل العالمية أي طريق تسلكه السفن... لتصبح قناة السويس في مأزق.

لكن هذا المشروع لا يزال يواجه تحديات جمة تُصعِب من عملية تنفيذه رغم أنه لا يتطلب عمليات حفر بالقطب الشمالي مثلما حدث في قناة السويس، ذلك الحفر الذي خسر فيه عدد كبير من المصريين أرواحهم بسبب العمل الشاق بالقرن التاسع عشر.

بجوار انعدام البنية التحتية.. يأتي تجمد القطب الشمالي كأكبر عقبة أمام المشروع حيث تصاب حركة التجارة بشلل تام في الممر الشمالي خاصة خلال الشتاء بسبب انخفاض درجات الحرارة بشكل حاد جدًا ما يصحبه ازدياد كثافة الجليد التي يستحيل اختراقها بالسفن التجارية ما سيكبد الشركات خسائر ضخمة بدون أدنى شك.

لكن.. لم تتوقف محاولات توفير بدائل جديدة لقناة السويس لتقليل الوقت والمسافة التي تقطعها السفن بين الشرق والغرب لتظهر فكرة "قناة القوقاز"، والتي تربط بين البحر الأسود وبحر قزوين عبر الأراضي الأذرية والجورجية، حيث تعتمد الفكرة على حفر جزء من القناة بدءًا من الساحل الجورجي المنخفض على البحر الأسود ثم الانتهاء عند نهر كورا الذي يصب في بحر قزوين ليصبح جزء من القناة. أما الجزء الثاني من المشروع فيشمل الربط البري بين تركمنستان وطاجيكستان ثم الصين لينتهي هذا الخط البري عند مدينة تشونغتشينغ على نهر يانغتسي الرئيسي والذي ينتهي مباشرة عند ميناء شنغهاي بشرق الصين حيثما تبدأ أو تنهي السفن رحلتها.

قناة القوقاز فكرة عظيمة تم طرحها في جامعة برلين الحرة بألمانيا ثم ألقت صحيفة زينيث الألمانية الضوء عليها وهي صحيفة معنية بالشرق الأوسط ووصفت هذه القناة منافسًا قويًا لقناة السويس إذ أنها ستنهي حالة الإحتباس الجغرافي لدول آسيا الوسطى المتعطشة للانفتاح على العالم وربط مدنها المعزولة من آلاف السنين بالعالم الخارجي، القناة ستحول مدن آسيا الوسطى لمعبر اقتصادي حيوي ومنتعش بشكل منقطع النظير بين الشرق والغرب وبناء جسر للتعاون الثقافي بينهم وإحياء طريق الحرير القديم، كما ستتمكن الصين من تصدير منتجاتها والانتقال لأوروبا في وقت قياسي يضاهي النقل الجوي في السرعة مما سيدفع الطموحات الصينية لإعتلاء قمة الهرم الاقتصادي العالمي للأمام.

ولا يمكن تجاهل الطموح الجامح لكلًا من أذربيجان وكازاخستان لجذب الاستثمارات وتصدير النفط والغاز، وستمثل قناة القوقاز رئة اقتصاد تلك الدول ولا أعتقد أن حكوماتها ستتردد في اعتبار المشروع ودراسته بكل تفاصيله، ولا سيما يواجه المشروع صعوبات أهمها تكلفة تنفيذ المرحلة البرية من المشروع داخل الصين وتركمنستان وطاجيكستان بجوار الاعتبارات السياسية بالقوقاز ومحيطه الإقليمي مثل النزاع بين أذربيجان وأرمينيا وأزمة أوكرانيا المتاخمة، علاوة على مصالح القوى الكبرى وبالأخص روسيا وإيران التي ستحصل على عمق وبعد استراتيجي أكبر بفضل قناة القوقاز التي ستنهي عزلة بحر قزوين لتصبح إيران مطلة على منفذ بحري مفتوح مباشرة على شرق أوروبا ويعد ذلك نقطة تحول بالغة الخطورة بالنسبة لملفات الشرق الأوسط أيضًا.

حقًا أنه مشروع ضخم.. بدارسة القيمة الجيوسياسية والاستراتيجية الخطيرة التي ستحققها قناة القوقاز المخطط لها الربط بين بحر قزوين والأسود، وبمقارنتها بمنافسيها كقناة السويس، فإنها ستختصر الوقت والمسافة بين الشرق والغرب أكثر من 60% ذلك الأمر الذي سيدفع الدول المستفيدة للتفكير بجديه في المشروع حتمًا والتوصل لتسوية دبلوماسية لكل الخلافات بينهم والتغلب على عقبة التمويل بتوزيع التكلفة بين الأطراف المستفيدة مثل الصين وروسيا وكازاخستان وأذربيجان وهي اقتصاديات قوية بالفعل، هذا بجوار إمكانية استفادة دول الجوار بوسط وجنوب وشرق وجنوب شرق آسيا مثل الهند وباكستان واليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وماليزيا وإندونيسيا من القناة ومشاركة أعباء التنفيذ.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط