الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الفتنة التي لم تعد نائمة


للأسف الشديد لم تعد تلك الفتنة التي كنا نتحدث عنها طيلة سنوات مضت .. لم تعد نائمة .. فهناك من يعبث بها لتستيقظ وتشتعل وللأسف الشديد أيضا أن من يوقظ الفتنة الآن هم من أهل الوطن الذين لم نكن نتخيل أنهم يوما يتصدرون المشهد بهذا الشكل العبثي.

فمن التدين الظاهري إلى التجديد والتنوير المغرض تضيع الثوابت وتنقرض القيم ويندثر التاريخ الذي عشنا نبني عليه أمجادنا ونفخر به ونعتمد عليه كليا في كل تفاصيل حياتنا فتركنا العمل وتفرغنا للحديث عن حضارة الأجداد حتى صرنا في قاع الكرة الأرضية !

ولم يقف الأمر عند هذا الحد.. فبين الحين والحين يخرج علينا البعض بتصريحات أو فتاوى أو وجهات نظر تثير الشك والريبة رغم أنها قد تكون في إطار يبدو صحيحا أو مقبولا لكنها بالقطع تحمل في طياتها الكثير من اللغط والتحريض على الفتنة !

تثير قضية يوسف زيدان الكثير من الجدل بحديثه عن صلاح الدين القائد العربي الذي كان محور الحديث طيلة قرون مضت عن بطولات وفتوحات ومعارك خاضها دفاعا عن مصر والمنطقة العربية التي كانت تحت حصار الحملات الصليبية وقتها بقيادة ريتشارد قلب الأسد ومجموعة من أمراء وملوك أوروبا الذين جاءوا ليستردوا بيت المقدس .. ريتشارد كان ممتطيا جواد الفارس الذي تحرك من بلاده لينقذ المسيحيين في مصر وبيت المقدس والبلاد العربية من الظلم الواقع عليهم في حين أن كل الحملات لم تكن تهدف إلا للسيطرة على المنطقة العربية كما هو الحال الآن مع اختلاف السيناريو والأشخاص.

صلاح الدين كان القائد العربي الذي نجح في مواجهة هذا الغزو الصريح بالقوة نفسها وبالحكمة والرشد في التعامل الذي انتهى بتوقيع الصلح وانسحاب الحملات الصليبية وانتصار صلاح الدين واستعادة القدس .. ولكن الآن يخرج علينا البعض ليخربوا لنا تاريخنا الذي عشنا عليه طويلا نفخر به ونعتز به ..

المشكلة الأكبر ليست في تشويه جزء من التاريخ ولكنها تكمن في أن تاريخ مصر للأسف تمت كتابته بالقطعة .. فكلما انتصر قائد أو رئيس أو ملك يكتب تاريخ فترته على هواه فيمجد في نفسه وفي حكمه حتى لا يكون هناك حاكم حكيم غيره ولا بطل مغوار سواه .. حدث هذا منذ عصور الفراعين القدماء .. فكان كل منهم يرسم على جدران معبده معاركه وغزواته وانتصاراته وفي نفس الوقت يمحو تاريخ كل من سبقه وكأنه هو وحده التاريخ بدايته ونهايته .

وعلى نهج القدماء أصبحنا الآن نمارس نفس الطقوس مع كل رئيس وفي كل عصر .. هاجمنا الملك والملكية بعد ثورة يوليو فأصبح الملك شيطانا وأصبح الضباط الأحرار هم الملائكة التي أنقذت مصر من الضياع .. وأصبح لدينا مايسمى بالناصرية التي تستمر حتى الآن ولا ترى غير عبد الناصر زعيما .. وبعد عبد الناصر استمر نفس النهج في تشويه من سبق وتسفيه ما كان في عهده واستمر النهج الفرعوني ولم ينته حتى أعاد البعض النظر الآن في عصر الملكية واعتبروه العهد النموذجي للحكم وللرخاء والنماء رغم أن مصر كانت تحت الاحتلال وقتها .

وكانت الثروات في أيدي طبقة معينة في الوقت الذي كان الشعب كله تحت خط الفقر ولكن البعض يرى الآن أن هذا الفقر المدقع كان أفضل بكثير مما نعيشه الآن في نغمة تحريضية صريحة ضد النظام الحالي !

هكذا هو حالنا مع تاريخنا .. نكتبه بأهوائنا ونرفضه بأهوائنا .. والآن يخرج علينا زيدان ليشكك في نموذج طالما اعتبره البعض قدوة لكل الأجيال على أمل أن يأتي اليوم الذي تتحرر فيه فلسطين وتعود القدس عربية كما كانت منذ القدم .. فيأتي يوسف زيدان في هذا التوقيت ليحطم تلك الصورة النموذجية التي عاشتها الأجيال تلو الأجيال.. فهل الهدف هو القدس أم ماذا ؟؟ هل الهدف أن ننسى حلم استعادة القدس التي أصبحت للأسف الشديد يهودية خالصة ؟؟ هل هي توجيهات كما يقال ؟؟ ولماذا الآن ؟؟ والآن تحديدا !

ويأتي في نفس التوقيت تصريح الشيخ سالم عبد الجليل عن المسيحيين رغم أن الرجل من المعتدلين فلم يكن يوما متشددا ولا متعصبا ولا متطرفا ومواقفه تشهد له بذلك .. فلماذا هذا التوقيت الذي تظهر فيه تلك الآراء المثيرة للجدل والفتنة في نفس الوقت .. فهل الهدف هو مصر؟؟ أنا شخصيا لا أشكك في وطنية ولا مصرية ولا إيمان أحد .. ولكنه سؤال يطرح نفسه بشكل مباشر شئنا أم أبينا .. لمصلحة من أن تخرج علينا بين الحين والآخر تصريحات من هذه العينة تثير الجدل والفتنة ..

لمصلحة من تشويه التاريخ وإنكار ثوابته .. ولمصلحة من أن تظهر نغمة المسيحي والمسلم بين وقت وآخر ؟؟

لقد استغل البعض ما يدور الآن من عمليات إرهابية تتم تحت غطاء ديني ليهاجم الإسلام نفسه وهم مجموعة تدعي الليبرالية والتحرر.. وآخرون ينتمون لليسار .. وآخرون ضد الأديان بشكل عام ليس الإسلام فقط بل المسيحية أيضا .. ولكنهم جميعا وجدوا فرصتهم سانحة في الهجوم على الإسلام نفسه .. واستغلوا الرفض الشعبي للجماعة الإرهابية وحولوا هجومهم على الإسلام نفسه لأن الفرصة السانحة الآن لن تعود مجددا وعليهم أن يستغلوها في ضرب الإسلام وفي نفس الوقت الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين كما تعودنا في الفترات الأخيرة !

وكما قلنا إنه استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية وسلطوية من جانب .. ودعاة للتنوير المكذوب يستغلون الوضع الحالي أسوأ استغلال ليحققوا أهدافهم التي تتوافق مع غيرهم في إسقاط مصر .. وفي النهاية يبقى الوضع مشتبكا ومعقدا .. والكل يسعى بطرقه الملتوية لتحقيق أهدافه ومآربه ويبقى الوطن في النهاية هو وحده الذي يدفع الثمن بين باحث عن مصلحة شخصية وآخر يسعى لتشويه تاريخه بحجة التنوير وآخر يوقع الفتنة وهو يدرك أو حتى لا يدرك .

في النهاية كلنا أمام وطن يئن ويدفع ثمن غباء بعض أبنائه .. لنجد أنفسنا دائما أمام نقيضين تيار ليبرالي تنويري وتيار ديني متطرف أو حتى معتدل .. لكن في النهاية الجميع يعمل ضد الوطن .. وكم من الجرائم ترتكب باسمك يا وطني !
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط