الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"مكتئب يمنحك البهجة"


قبل الانتهاء من قراءة "حافة الكوثر" ومع مرور الصفحات، تتمنى أن تمتد لفصول وصفحات أخرى، عالم آخر يصنعه الكاتب والشاعر علي عطا في روايته الأولى، بلغة بسيطة وسهلة تتجاوز حدود أبطالها لينقل صورة أخرى لعالم لا نراه، اختار أصحابه أن يعيشوا بصدق وشفافية، حتى وإن دفع من حولهم لاتهامهم بأنهم غير مؤهلين للحياة وسطهم.

ينقل علي عطا بعين خبيرة وقلم يعرف كيف يلتقط اللحظة تلك الحياة التى تتلخص في أبطال الرواية، وكأنها دفتر أحوال الوطن، يحكي البطل عن بلدته في مدينة المنصورة وحي المعادي، وخاله الذى استشهد في حرب أكتوبر المحفور اسمه على النصب التذكارى أمام مبنى المحافظة، ويرصد اللحظات الأولى للثورة، ويروى بدقة الانكسارات العادية لقلب اتسع للعالم كله ليكون مصدر شقائه الأول.

"الاكتئاب يا جماعة لا يعنى الحزن الظاهر بالضرورة، فقد تجد صاحبك يشاركك الضحك والمرح وفي اليوم التالي، يرد نبأ أن الاكتئاب دفعه إلى الموت منتحرا" هذه الجملة الواردة على لسان مدير مصحة "الكوثر" في الرواية تلخص حال العديد والعديد ممن يتألمون في صمت، هؤلاء الذين يمنعهم حياؤهم من الشكوى حتى من أقرب الناس إليهم، فالرواية تصف بوعى إنساني هؤلاء الذين يعيشون داخل أنفسهم، وتعرى بصدق زيف بعض العلاقات الرسمية التى لا يستطيع الانسان الخلاص منها بسهولة.

ويتجول الكاتب داخل مصحة "الكوثر" ليحكي عن سكانها من مرضى نفسيين ومدمنى مخدرات معظمهم يخضعون لعلاج إلزامى، تربطهم جميعا تلك الحالة من النقاء والتصالح مع العالم، فمنهم من هو مشغول دائما بالسؤال "هل التدخين ينقض الوضوء؟"، وتامر عبدالصادق المتواجد في الكوثر منذ 1984، والدكتور عامر الاسناوى الصيدلى الذى دخل المصحة قبل نحو 20 عاما، ورئيس المحكمة فؤاد سالم الذى عندما تأتيه الحالة يردد "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" وهنحكم بشرع الله، وطارق مراد الذى يقول عن نفسه أحيانا إنه نقيب الأشراف، وأن نظرية الانفجار العظيم الذى ترتبت عليها نشأة الكون ليست أكثر من خرافة، و"بيشو" الباحث دائما عن كوب من الشاى، هذا العالم البسيط الممتلئ بالحكايات الشيقة ، ظهر وكأنه ليس بعيدا عنا ، بل في لحظة تجد نفسك أنك تعرف كل شخص في "الكوثر" وكأنك أحد سكانه القدامى.

يروي "حسين" إلى صديقه "طاهر" عبر رسائل متعددة ، فصولا عديدة من حياته، داخل "الكوثر" وخارجها، يتغلب على الشقاء والمعاناة بالكتابة ، حيث الإبداع دواء، ليس للمبدع وحده ولكن للمتلقي أيضا، البوح .. هى الكلمة المفتاحية للعمل كله، سوف تجلس لتستمتع باعترافات عميقة رغم بساطتها، وتشريح للنفس البشرية وكأن حياة إنسان واحد هى ملخص لتاريخ الإنسانية.

علي عطا الذى صدر له من قبل 3 دواوين هى "على سبيل التمويه" و"ظهرها للحائط" و"تمارين لاصطياد فريسة"، يبدو كما قال عنه صديقه طاهر في الرواية كنصوصه الشعرية لا على مستوى السهل الممتنع من ناحية الأسلوب فحسب، بل حتى من تلك الناحية الفلسفية التى تميز رؤيته للعالم، فهو من وجهة نظرى المكتئب الذى منحنا البهجة.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط