الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من " السنتر " إلى " الملزمة " .. فسد التعليم !!


يتحدثون عن تراجع ترتيب مصر في التصنيف العالمي للتعليم .. ويتحدثون عن ضرورة تطوير التعليم بما يتناسب مع تطورات العصر والتكنولوجيا الحديثة .. ويتحدثون عن السبورة الإلكترونية التي ستساهم في تطوير التعليم .. ويتحدثون عن "البوكليت" لتطوير التعليم .. الكل يتحدث عن تطوير التعليم والكل يغني على نغمة "التطوير" التي أصبحت هي الرائجة في الفترة الأخيرة كأحد الثوابت في كل البرامج وكل الفضائيات وكل حديث وكل مؤتمر تعقده وزارة التربية والتعليم وكل لقاء لخبراء التعليم في مصر والذين فشلوا رغم خبراتهم في تطوير التعليم حتى الآن بأي شكل من الأشكال ..

هل لاحظتم كم تكررت عبارة تطوير التعليم في العبارة السابقة ؟؟ سؤال على شاكلة أسئلة امتحانات خبراء التعليم وخبراء الامتحانات الذين أتحفونا ومازالوا بخطط التطوير التي لم تتحقق حتى الآن !

كلامي هذا لا يعني أنني ضد التطوير أو أني أرفض ما يبذله وزير التعليم الحالي الدكتور طارق شوقي الذي يبدو أنه يختلف عن كل من سبقه وأن لديه رؤية حقيقية لحل معضلة التعليم في مصر .. ولكن المشكلة أكبر من أن يتم حصرها في عبارة أو تصريح أو لقاء على الهواء .. مشكلة التعليم في مصر لم تعد تقتصر على جانب واحد يمكن علاجه أو إصلاحه .. والمشكلة الأكبر أن العلاج والإصلاح لابد أن يشمل جميع الجوانب وإلا فلن يتم الإصلاح المنشود ولن يكون هناك تطوير للتعليم وسنعود من حيث بدأنا أو على الأصح سنبقى حيث توقفنا منذ سنوات طوال " محلك سر " .

المشكلة الأكبر في العملية التعليمية هي "المدرس" الذي لم يعد هو المدرس الذي كنا نعرفه في صغرنا .. وهو الآن واحد من اثنين .. المدرس المطحون الذي يعاني معاناة غير مسبوقة في تاريخ التربية والتعليم في مصر .. وهو بالطبع ليس مدرس السنتر أو الدروس الخصوصية .. بل المدرس على الوجه العام الذي لا يكفيه مرتبه ليكمل به الشهر لنهايته .. هذا المدرس مطلوب منه أن يعمل في بيئة غير ملائمة للتدريس أساسا.. فلم يعد هناك من يدرس للطلبة في المدارس أصلا ولو وجد هذا المدرس صاحب الضمير فهو من النوع النادر الذي يتحمل قلة دخله و"قلة أدب" الطلبة في المدارس وعدم الحماية من وزارته التي أصبحت تبيع المدرس لترضي الطالب الذي بدوره تحول لبلطجي على المدرس .. والنماذج والأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى لمشاكل تقع يوميا بين المدرس والطالب وصلت لحد الاعتداء البدني والبلطجة !

وهذا المدرس نفسه يحتاج لتطوير وهذا أمر طبيعي في كل الفترات وليس وقت التطوير فقط ليساير كل جديد في عصر التكنولوجيا وهو ما لا يتوفر بشكل كامل ..

أما الثاني فهو المدرس الذي عرف طريقه مبكرا وتحول من ممارسة التدريس كرسالة إلى ممارسته كتجارة وهذا النوع أيضا مشكلة كبرى ستواجه السيد الوزير بعد أن تحول هؤلاء لمافيا أكبر من أن يتم مواجهتها بسهولة .. وبعد أن أصبح لكل منهم ما يسمى ب"السنتر" والتحاق الطالب بهذا السنتر بالواسطة وبالحجز.. وبالطبع مثل هؤلاء هم السبب الأول في فساد التعليم الذي تحول على أيديهم إلى تجارة وإلى حفظ دون فهم أو وعي .. ومنهم من تحول إلى التعليم بالرقص حتى أنه أحضر في إحدى محاضراته راقصة بملابس مثيرة بل ونشر صورتها وهي ترقص حاملة ثعبانا وتمساحا – الصور موجودة على صفحات الفيس بوك – هؤلاء يامعالي الوزير هم من أفسدوا التعليم .. نعم نظام "السناتر" سواء كانت من النوع الفاخر أو النوع البسيط هو الذي أفسد التعليم في مصر حيث تحولت العملية التعليمية لتجارة رائجة ومربحة توازي تجارة المخدرات ..

التعليم يامعالي الوزير انتهى على أيديهم لمجرد "ملزمة" يحفظها الطالب لينجح فقط في الامتحان ويلتحق بكليات القمة وهو أجهل من دابة فيفشل في تعليمه ويفشل في حياته .. وما بين "السنتر" و"الملزمة" فسد التعليم ..

أما المدرسة يا معالي الوزير فلم تعد مدرسة .. فليس هناك من يعمل داخل المدرسة إلا قلة قليلة من أصحاب الضمير .. ولو دخلت أي مدرسة دون سابق تنبيه فستجد العجب .. فصول خاوية على عروشها وطلبة في أفنية المدارس تلعب الكرة أو تتعارك أو حتى تدخن السجائر .. فقد اكتفى الجميع بالسنتر والدرس الخصوصي والملزمة .. تلك االثلاثية التي قتلت التعليم في مصر !

أما عن الإمكانات المادية المتوفرة للمدارس وللعملية التعليمية فحدث ولا حرج .. فميزانية المدرسة طيلة عام كامل قد لاتزيد عن ألفين جنيه في الوقت الذي يتم فيه تنظيم مؤتمرات لتطوير التعليم بمئات الآلاف من الجنيهات في أفخم الفنادق كان من الأجدى ان يتم توجيهها لتنفق في المدارس على العملية التعليمية وليست على أصحاب الياقات البيضاء .. فكم عانينا لتوفير مبالغ لدعم العديد من المدارس سواء للأنشطة أو للعملية التعليمية نفسها أو حتى لترميم بعض المدارس التي أصبحت خارج الخدمة وتعتمد على الجهود الذاتية لأولياء الأمور لأن ميزانية المدرسة لاتكفي لشئ!

العنصر الأهم أيضا في فساد التعليم هو المناهج التعليمية نفسها .. تلك المناهج التي لايعلم الطالب لماذا يدرسها ولا ما هي الفائدة منها .. تلك المناهج العقيمة التي تم التلاعب بها على مدار سنوات مضت حتى أصبحت مسخا بلا شكل ولا مضمون .. وحتى أصبح الكتاب المدرسي أشبه باللوغاريتمات المعقدة والطلاسم التي لايفهمها كثير من المدرسين فما بالكم بالطلبة !

وعلى سبيل المثال هناك مادة الدراسات الاجتماعية التي لا يبدو منها أنها تاريخ وجغرافيا أو أي منهما .. فالموضوعات متداخلة والأفكار مشوشة .. الخلاصة أن مناهج التعليم العقيمة لم تعد تتناسب ومعطيات العصر الحديث ولم تعد تقنع حتى الطالب الذي يتلقاها وأقرب دليل سؤال سأله لي طالب في الثانوية العامة .. لماذا أدرس التفاضل والجبر وأنا طالب أدبي ؟؟ سؤال يختصر كل العبث الموجود في العملية التعليمية ويوضح أن الأمور كانت طيلة السنوات الماضية تمضي بعشوائية تحت شعار "الخبراء يطورون ويجددون" .. حتى وصلنا لما نحن فيه من عبث الآن .. فهل يفعلها الدكتور طارق شوقي الوزير الحالي وينجح في مواجهة مافيا أفسدت التعليم عمدا مع سبق الإصرار والترصد ؟؟ أتمنى ذلك!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط