الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الروح في الحيوان والطير والدود


مثلما لكل شخص هوية يعرف بها في بلده أوعند سفره، لكل كائن حي "بصمة نووية" يعرف بها على كوكب الأرض".. البصمة النووية، كما يراها كاتب المقال، هي المدخل المهم إن لم يكن الوحيد الذي يمكن من خلاله الوصول إلى فهم صحيح لأرواح الحيوان والطير والكائنات الصغيرة الأخرى كالخنافس والدود.

هذه البصمة موجودة في كل خلية في الكائن الحي، وهي بمثابة خارطة جينات وراثية تدل على هويته وتميزه عن غيره ويمكن الاستدلال بها على نوعه ونسبه، وهي التي تحدد صفاته الخارجية وألوانه، وتفاعلاته الكيميائية وأفعاله الظاهرة وأفكاره الباطنة، وحتى طريقة مشيته، وقد تمكن العلماء من خلط بصمتين لحيوانين مختلفين وتخليق عشرة حيوانات جديدة بهذه الطريقة لم تكن موجودة من قبل، كل منها بـ "روح جديدة" واسم جديد، منها خلط حمار مخطط على حمار عادي لينتج عنه مخلوق وسط اسمه (zonkey)، وخلط أسد على نمر أعطى حيوانا جديدا آخر اسمه (liger)، سميا بمزج الاسمين الأجنبيين (zebra+donkey..lion+tiger)، ولم توضع لها أسماء عربية بعد.

هذا يؤكد العلاقة الوطيدة بين البصمة النووية والروح، وعملية الخلط هذه تحدث في الطبيعة أيضا كما في حالة البغل الذي يأتي من تزاوج ذكر الحمار وأنثى الحصان.. إذن، يمكن الحصول على روح جديدة من خلط بصمتين نوويتين.

بالنسبة للإنسان، معلوم دينيا أنه حدث نفخ للروح في آدم عليه السلام، وما تزال الروح تنفخ في كل جنين بشري في بطن أمه إلى يوم القيامة، إلا أنه لم يرد خبر مماثل يدل على توقيت نفخ الروح في الحيوانات والطيور وباقي المخلوقات الصغيرة، لا عند بداية خلقها ولا لأجنتها فيما بعد.

قيل أن أهمية نفخ روح الإنسان من روح الله تبرز خصوصية صلة الإنسان بخالقه "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي" (الحجر 29).. خصوصية تفوق بها الإنسان على الحيوان والطير، فهي التي ميزته بالعقل والإدراك والمسئولية.. لكن وردت أدلة على أنها أيضا "أمم أمثالنا"، كما نصت الآية: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) (الأنعام 38)، من هذه الآية رأى بعض الفقهاء أن هذه الأمم لها أرواح، وأنها ستحشر وتحاسب يوم القيامة، لكن اعترض فقهاء آخرون على ذلك وقالوا كيف تحاسب ولم يمنحها الله عقلا في الأساس..

وهناك اعتقاد غريب عند بعض الهندوس والدروز بـ "تناسخ الأرواح" أو تدويرها، بمعنى خروج الروح من الميت ودخولها في مولود بشري جديد أو دخولها في حيوان، حتى أن أحدهم كان يقتني قطة ويبكي أمامها كل يوم مقتنعا أن روح أمه قد دخلتها، ويقول أن نظراتها إليه هي نفس نظرات أمه المتوفية وهي تحاول أن تكلمه ولا تستطيع..!. ومع الاحترام الكامل لكل العقائد، لكن يجب استحضار العلم والعقل حتى لو كنا نبحث في موضوع غامض ومعقد كالروح.

قدر علماء الأحياء عدد أمم المخلوقات على الأرض بثلاثين مليون أمة (أو جنس) لا نعرف عن أسرارها إلا القليل. من الناحية الطبية، جميع التجارب التي أوصلتنا إلى اكتشافاتنا العلمية في الطب كانت كلها من خلال التجارب على الحيوانات مثل القردة والكلاب والقطط والخنازير والفئران. كل الأدوية والجراحات الجديدة تجرب على الحيوان أولا ولفترات طويلة قبل إجازتها للإنسان. هذا يعني أن هناك تشابها، إن لم يكن تطابقا، في عمل الكثير من أجهزتها مع ما يناظرها في جسم الإنسان.

مخ الحيوان يشبه مخ الإنسان في مادته وطريقة عمله، وتنطبق عليه أيضا "نظرية الاستبعاد" التي قمنا بصياغتها وشرحناها في مقال سابق وفي كتابنا الأخير "الروح والطب الحديث" (دار المعارف 2015)، بمعنى أن معظم أجزاء جسمه خدمية وأن آخر نقطة تموت في جسمه هي جذع المخ، كذلك يسري عليه نظام نقل الأعضاء وزرعها.. إذن، ما الفرق بينه وبين البشر؟ من المؤكد أنها البساطة، وإن كان الكثير من الحيوانات يثير الإعجاب فيما يصدر عنها من سلوك عند رعاية أفراخها وهجرتها وفي الدفاع عن نفسها.. إبداعات وتصرفات يعجز الإنسان عن فهمها، ويطلق عليها أحيانا فطرة أو غريزة، لكن العالم "فرانسيس وايل" ربطها بوجود روح، كما ذكر في منشور له عام 2009، "أنه بقدر ما يمتلك الكائن من مشاعر وعاطفة بقدر ما يمتلك من روح".. وقبله بقرون، سئل الإمام مالك رحمه الله عن البراغيث هل تقبض أرواحها ؟ فصمت برهة ثم قال: هل لها أنفس؟ قيل نعم.. قال: "فملك الموت يقبض أرواحها".

لكن لم يذكر الرجلان لماذا ربط كل منهما النفس والمشاعر والعاطفة بوجود روح.. وعليه، نعود إلى ما بدأنا به المقال، أن النفس والمشاعر والعاطفة ما هي إلا أفعال وأنشطة بصمة أحماض نووية. وإن لم تكن البصمة النووية هي روح الكائن، فهي على الأقل، مكونها الرئيسي.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط