الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مفتشة آثار.. تنتظر القتل


هذه قصة حقيقية، وقعت كل فصولها في أرض الواقع، ولم يتبق منها سوى المشهد الأخير الذي يمكن تخيله في مجموعة من عناوين الصحف والمواقع الإخبارية هكذا، مقتل وهيبة صالح في ظروف غامضة، مصرع مفتشة آثار في دهشور، مفاجأة.. تورط مسئولين كبار في مقتل وهيبة صالح، وبعض المواقع المشبوهة تتحدث عن علاقات شخصية وراء مقتل مدير عام آثار دهشور...

أما فصول القصة التي وقعت حقيقة وتنتظر فقط مشهدها الأخير الذي حاولنا تخيله في الفقرة السابقة، فتعود لآلاف السنين، في منطقة دهشور الأثرية التي انضمت للمجلس الأعلى للآثار (وزارة الآثار) في سنة ١٩٩٧ وتضم هرمي سنفرو، الهرم المنحني، والهرم الأحمر أول هرم كامل في التاريخ وسنفرو هو أبو خوفو ، وهو أول من بنى هرما كاملا بعد محاولة أولى نتج عنها الهرم المنحني نتيجة عيوب في التنفيذ وذلك في الدولة القديمة.

وتضم المنطقة الهرم الأبيض لأمنمحات الثاني، الباقي منه حاليا أطلال بعد تعرضه للتهدم، والهرم الأسود المبني من الطوب اللبن لأمنمحات الثالث في الدولة الوسطى.

وتعتبر أهمية هذه الأهرامات بدهشور أنها حلقة من حلقات تطور فكرة الأهرامات لدى الفراعنة، التي بدأت بفكرة المصطبة وتطورت لـ٦ مصاطب مثل الهرم المدرج لزوسر بمنطقة سقارة بالدولة القديمة.

ثم مرحلة دهشور وتطور فكرة عمارة المقابر التي بدأت تأخذ شكل الهرم في الهرم المنحني والذي مالت فيه الزوايا وتمت معالجتها فنتج الهرم المنحني ثم الهرم الأحمر وهو أول هرم كامل.

ثم مرحلة هرم خوفو الذي بني على فكرة وتصميم أهرامات دهشور وتطويرها وهذا التسلسل يبرهن على أن الأهرامات كفكرة وتصميم وبناء وتنفيذ مصرية أصيلة.

وأهمية منطقة دهشور أنها جزء من جبانة منف وهي مقابر الدولة القديمة والتي تمتد من أبو رواش شمالا إلى الليشت جنوبا مرورا بأهرامات الجيزة الثلاثة وسقارة ودهشور، كمنطقة مدافن غرب النيل للدولة القديمة التي كانت عاصمتها منف ميت رهينة حاليا، وهي أهم موقع تراث عالمي لاحتوائه على آخر عجيبة قائمة من عجائب الدنيا السبع وهي هرم خوفو.

والمنطقة مليئة بالآثار وحسب خبراء الآثار لا يوجد بها شبر يخلو من الآثار بل وبها طبقات من الآثار منذ الدولة القديمة حتى العصر الإسلامي فالآثار فيها طبقات فوق طبقات.

ومن ذلك اكتشاف جديد لهرم إمني مكاو من الأسرة الـ١٣وقصة اكتشاف هذا الهرم تعد كارثة حيث اصطدم به عمال التحجير العشوائي.

وهيبة صالح مدير منطقة دهشور حاليا، وكانت منذ ٥ سنوات كبير مفتشي آثار دهشور، تقول إنه منذ سنة تقريبا بدأ هجوم مافيا المحاجر على هضبة دهشور بالقرب من الأهرامات باللوادر التي تقوم باقتطاع كتل بما فيها من آثار محتملة وتحميلها في سيارات النقل.

وتتعرض المنطقة لعمليات تحجير غير شرعية وغير مرخصة تهدد الثبات الإنشائي لأول أهرامات في التاريخ وسرقة آثار، فاحتمالات المنطقة الأثرية عالية جدا بدليل هرم إمنى مكاو الذي كشفت عنه أعمال التحجير غير الشرعية هذه.

تقول وهيبة: لا يمكن أن يكون هذا الهرم وحيدا لا توجد حوله آثار أخرى ، على الأقل هناك مقابر أخرى حوله.

وهذه المنطقة تمتد على مساحة ١٠ كيلو مترات مربعة يحرسها ٩ حراس هم شيخ خفراء وثمانية خفراء غير مسلحين يعملون في حراسة المنطقة على ورديتين.

هؤلاء الحراس التسعة مسئولون عن حراسة المنطقة ، والمنطقة تتعرض لتقصير وتتعرض لانتهاكات ليل نهار يعجز عن التصدي لها هؤلاء الحراس ويقتصر دورهم على محاولة منع التعديات وحينها يهددهم المتعدون وأقصى ما يستطيعون القيام به هو كتابة بلاغ شيخ الخفراء وهذا يكون في اليوم الثاني بأسماء المتعدين أو المعتدين ويقوم مدير المنطقة بعمل محضر تعدٍ، نسخة للقطاع لاستصدار قرار إزالة لحالة التعدي سواء كانت بالبناء أو الزراعة وطبقا للقانون يصدر خلال عشرة أيام من تاريخ تحرير المحضر، ونسخة لشرطة السياحة والآثار لضبط المتعدين وعرضهم على النيابة، وينتهى هنا دور المنطقة، التي تنتظر تنفيذ قرار الإزالة بعد عامين، وهو ما يمنح آخرين الجرأة على ارتكاب تعديات أخرى، هذا مع فرض حسن النية بعدم وجود عمليات تنقيب وسرقة للآثار.

والعقوبة هنا حسب قانون الآثار تبدأ من سنة حبس وألف جنيه غرامة إلى ٥ سنوات وغرامة١٠٠ ألف جنيه.

ولكن هل نضمن أن المتعدين سواء بالتحجير غير الشرعي أو بالبناء أو بالزراعة أو هؤلاء الذين يدخلون ليلا باللوادر واللوريات لتحميل الطفلة طوال ساعات الليل يتوقف هدفهم على هذا فقط، أو أنهم إذا وجدوا آثارا بالصدفة مع افتراض حسن النية سيقومون بتسليم ما يجدون من آثار .

وهيبة صالح تقدمت بالعديد من المحاضر منذ بدء عملها بالمنطقة في ٢٠١٢ ولا جدوى، ثم تقدمت بمذكرة تفصيلية للوزير خالد العناني في شهر يونيه ٢٠١٦ ومذكرة أخرى أغسطس ٢٠١٦ شرحت فيهما المشكلة وعرضت الحلول مثل إنشاء سور أمني على مدخل المنطقة وإقامة كمين ثابت ومخاطبة شرطة السياحة والآثار لضبط وإحضار المتعدين وتكليف الشئون القانونية بالوزارة بمتابعة قضايا التعدي، وللأسف كان رد الشئون القانونية بأنها مكلفة بالدفاع عن الوزير فيما يرفع ضده من دعاوي قضائية.

ثم لجأت وهيبة للنشر على صفحتها الشخصية على الفيس بوك موثقة حالات التعدي بالصور، ولجأت للصحافة والإعلام بشكل عام وكانت النتيجة صدور قرار أو تهديد بالنقل إلى جانب تعرضها للتهديد بالسلاح أثناء محاولتها مواجهة عملية تعدي بالزراعة والتعدي على خفير بالضرب وكسر ساقه.

وكانت المفاجأة هي اكتشاف كثير من المصالحات غير الشرعية للمعتدين يصدرها مسئولون كبار في الوزارة، ويخضع أحدهم حاليا للتحقيق فيها بعد أن ألقت الرقابة الإدارية القبض عليه.

وهيبة صالح مفتشة آثار حاولت التصدي للتعدي على الآثار ومواجهة البيروقراطية واكتملت قصتها وشارفت على النهاية، فهي الآن تتسلم قرار نقلها تنكيلا بها، لمنطقة أخرى غير المنطقة التي دافعت عنها، وقد تكون موضوعا لأحد مسلسلات الدراما في رمضان طبعا بعد المقبل، وربما حمل عنوان مثل لعنة الفراعنة، وربما يبدأ المسلسل بمشهد مثير ، قد يكون رصاصة تدوي في جبل دهشور، وتبدأ أحداث المسلسل بالفلاش باك للبحث عن من قتل وهيبة صالح.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط