الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحجُ إلى "الخزعبلات والأوهام"


يظن المواطن المصرى العادى أنه تحرر من العيش فى الكون الغامض الذى كان يحيط بأجدادنا الذين كانوا يسردون للصغار قصصا خيالية بسيطة غير حقيقية وغير منطقية، ويتقنون فن إلقائها على مسامعهم لدرجة أنهم يعيشون عوالم افتراضية بجانب العالم الحقيقى الذى لا يلتفتون له كثيرا بقدر اهتمامهم باللا معقول مثل حكايات "أمنا الغولة"، "وأبو رجل مسلوخة"،  وحكايات "عروسة البحر" التى تخطف الأطفال إذا ابتعدوا عن منازلهم .

هذه الحالة سيطرت على أفكار من يعيشون فى ريف مصر تحديدا لدرجة أن البسطاء فى عالمنا العربى وبالتحديد فى مصر يؤمنون بالخوارق الكونية وبالقوى المسيطرة ذات القدرة على تخطى الصعاب وإحداث معجزات ليس لها أى دليل على حدوثها , لدرجة أن الشعب المصرى يستطيع أن ينسج القصص والحكايات ويتناقلها خلفا عن سلف جيلا بعد جيل لتصبح أساطير باختلاف صورها وأشكالها .

ومن هنا تأتى الاشكالية الكبرى التى لم تجد لها حلا حتى الان فى مصر , فكل محافظة فى مصر تتميز بلون وثقافة وتقاليد مختلفة عن الأخرى ... والتناغم والاتفاق يتبلور فى طيبة الشعب المصرى وتمسكه بعاداته وتقاليده التى لن يستطيع أحد مهما كان أن يغيرها بسهولة , ومن أهم العادات التى لن يستطيع أحد تغييرها هى الحج الى الأشجار والمقامات والأبيار والأحجار التى تناقل الناس عنها أن لها كرامات ومعجزات , وبرغم أن أحدا لم يرَ معجزة بعينه إلا أن الناس قد صدقت ما يتردد عنها , ولا يجرؤ أحد أن يتفوه بما لا يليق فى حق أصحاب الكرامات التى لا تعرف أصلها أو فصلها .

ولأن الشعب المصرى يسعى فى أوقات الشدة أن يتعلق "بقشاية " فأصبح لأصحاب الكرامات الوهمية قوة لا يستطيع أحد أن يقف أمامها , وأكثر الذين تظهر تعاملاتهم بوضوح النساء اللواتي يردن الزواج أو الانجاب أو إنجاب الذكور بعد إنجاب عدد من الإناث , والرجال الذين يريدون سعة فى الرزق أو الإقبال على مرحلة جديدة فى الحياة فيعود لصاحب الكرامات كى يأخذ رأيه فى المستقبل , على أمل أن يرسل له صاحب الكرامات رسالة قبول أو رسالة رفض، فالمصرى أصبح يبحث عن كائنات تستطيع الاتيان بما عجز عن جلبه أو الوصول اليه .

إن تلك الشعوذة تعتبر عبادة للأصنام , لأن الشخص المقتنع بهذه الأفكار , يذهب ناحية أن هذه الأشياء خارقة للعادة , ولأن هذه العادات ترجع الى نقص ذاتى فى المجتمع يحاول البعض أن يعوض هذا النقص ... ويتم هذا التعويض من خلال الطريق العلمى أو الطريق الشرعى , إلا أن المجتمع يترك تلك الطرق ويلجأ الى طريق آخر لإشباع حاجاته من خلال شخص أو شىء يرى أنه قادر على حل مشكلاته , ولأن المشكلة نفسية غالبا فتتلاشى ويعتقد أن الشىء الذى لجأ له بعيدا عن الطرق الصحيحة هو من استطاع حل مشكلته وبالتالى يروج ويدعو له، لتتأكد المعتقدات الموروثة والتى نسعى الى محاربتها ولكن الجهل والأمية يقفان حائط صد لكل محاولات التصحيح، لدرجة أن نسبة الإنفاق على الشعوذة تتخطى الـ 4 مليارات جنيه بالإضافة الى عدم وجود إحصائية دقيقة تؤكد أن هذا الرقم صحيح أم يتم تجاوزه بمراحل، ولدينا نسبة أمية فى مصر تتخطى حاجز الـ40% كلهم يؤمنون بالخرافة أكثر من إيمانهم بالعلم والطب، فتجد المشعوذين تكتظ أماكنهم بالزائرين أكثر من المكتبات أو حتى عيادات الأطباء.

كما أن جزءا كبيرا من الشعب المصرى لا يثق فى نفسه وهذه المعلومة معروفة منذ زمن حتى استطاع الدجالون والنصابون التأثير عليهم بشكل أو بآخر، والكارثة الكبرى تكمن فى أن هؤلاء النصابين أصبحوا جزءا لا يتجزأ من المجتمع , فلقد انتشرت فى الآونة الأخيرة إعلانات الدجل والشعوذة وجلب الحبيب فى كثير من القنوات التليفزيونية المصرية , لدرجة أن كثيرا من السياسيين والفنانين أصبحوا من المترددين وبقوة وبشكل دورى على من يطبقون على أنفسهم أنهم أصحاب القدرات الخارقة , وإن دل هذا يدل على الكساد الفكرى والثقافى والمجتمعى بسبب المعتقدات الموروثة التى يجب أن يتخلى عنها الجميع ويتمسكوا بالشرع والعلم فقط .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط