الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما بين "الإسماعيلية والعمار الكبرى" تجد الروح


بالرغم من كونى أنتمى بشكل مباشر إلى قرية صغيرة داخل محافظة القليوبية تسمى العمار الكبرى, إلا أن روحى مقسومة ما بين هذه القرية ومدينة الإسماعيلية وما بين القرية الأم ومدينة العشق تجد تآلفا ما بين النسيج البشرى الذى تعودت عليه يقسم روحى ما بين المكانين ولا أستطيع الاستغناء عنهم بأى حال من الأحوال فلا راحة لى إلا فى واحد من هذين المكانين.

فى العمار تجد قصصا مؤثرة كثيرة أكثر من غيرها فى أى مكان آخر, قصص تحمل الخير والشر والحزن والفرح والفقر والنضال وفقد الأمل وأكواخ وأسوار ومحاصيل مزدهرة, قصص لا يكفى لكتابتها مئات المجلدات فى ظل مستقبل مشرق مليء بالأمل والتفاؤل وماضى رومانسى مليء بالأحداث والحكم والمواعظ نتداولها على ألسنة بعضنا البعض فى جلسات السمر الليلية تحت أشجار المشمش وعلى شاطئ الرياح التوفيقى.

أما الإسماعيلية معشوقتى فهى العروس التى تجد فيها الجمال دون تزيين أو تزييف, أراها متميزة بخصالها وأوصافها التى تنفرد بها عن غيرها من المدن والثقافات, وهى المدينة التى تتصل بمستقبل كل من يعيش فيها بل أن الأمر يمتد إلى أن الإسماعيلية تدفع أهلها نحو المستقبل دون عناء, وحينما تزورها لأول مرة وتدقق فى ملامحها ستجد الذوق المصرى الذى ليس هو ابتساما خالصا ولا عبوسا خالصا ولكنه شيء بين ذلك فيه كثير من الابتهاج وقليل من الابتئاس, فيها شخصية مصر القديمة الهادئة وفيها شخصية مصر الباقية الخالدة, تستطيع هذه المدينة أن تغزو القلوب والعقول وقادرة أن تصنع لذة ومتعة ونماء وذكاء وتوزعه على كل من يمر عليها قصدا أو دون قصد.

الإسماعيلية عكس القاهرة تماما فالقاهرة مدينة مكدسة بوجوه غير مألوفة أو على الأقل يصعب الوقوف أمامها وغير واضحة المعالم ـ والمقصد هنا من المعالم هى المعالم الشخصية التى تميز الشخصية الإنسانية وليست المعالم الحضارية الثابتة ـ والإسماعيلية عكس القاهرة حيث إن الأولى لا تخفى أسرارها ولكن القاهرة تمتلك من الأسرار الدفينة التى يترتب عليها تجاهل الواقعية والانخراط فى الحلم فقط.

وما جذبنى وما زال يجذبنى ناحية الإسماعيلية هو شعورى بالبساطة اللامتناهية فى التعامل مع كل ما هو جميل داخلها فالتماسك والانسجام الاجتماعي خلق حالة من التوازن بين كل مرادفات الجمال وعمل على تحويل المشوه والقبيح إلى درجة مقبولة من الجمال, وما أقصده أن الجمال حينما يطغى ترى العشوائي جميلا.

إننى أرى فى مدينة الإسماعيلية بلا مبالغة الحقيقة المصرية القديمة والجديدة الشاهدة على تاريخ الإنسان المصرى على أرض مصر, ودلالة على بقاء الإنسان مرتبطا بمياه البحر فى عالم تتبدى فيه نشاط غريب وتجسيد جميل لمجمل ألوان الثقافة والوعى الاجتماعى والفن, ولهذا أجد روحى ما بين قرية العمار الكبرى ومدينة الإسماعيلية فقط.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط