الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشباب والرياضة والرجل العجوز


إذا قررت يومًا زيارة وزارة الشباب والرياضة، ستجد عددًا هائلًا من الموظفين في انتظارك بل وعددا أضخم من القيادات. هذه المقالة تعمل على وضع هذه الوزارة تحت الأضواء، حيث لا تختلف عن الوزارات الأخرى في هيكلها الإداري المتضخم لكن قد تنفرد في عدم اقتصار التضخم على الموظفين فحسب وإنما أيضًا في عدد قياداتها، حيث تمتلك أكثر من 50 مديرا عاما.

أولويات الشباب والرياضة... خارج أولويات الوطن!

لا شك بات الإرهاب محور النقاش في البلاد منذ الإطاحة بالرئيس السابق، وعلى الرغم من تلك المستجدات، لا تزال خطة وزارة الشباب والرياضة ثابتة لتستمر نفس البرامج والأنشطة بكل تفاصيلها وموضوعاتها دون أدنى تغيير لمواكبة التطورات الأمنية والسياسية الخطيرة التي تدفع الحرب على الارهاب للأمام بكل أبعاده الفكرية والاقتصادية والسياسية، نعم لا تزال قيادات الوزارة تعيش في التسعينات دون إدراك أولويات البلاد بالفترة الحالية.

وعند مراجعة برامج الوزارة، سنجد لقاءات متناثرة هنا وهناك حول التسامح الديني تم دعوة رجال دين من الكنيسة والأزهر بها عقب وقوع هجمات إرهابية في مصر كرد فعل وليس كبرنامج منتظم ودائم لنشر التسامح والفكر المعتدل بين الشباب، ذلك الأمر الذي يطرح تساؤلا حول نمط إدارة تلك المؤسسة التي تعد بالغة الحيوية في منظومة محاربة إرهاب وقوده الشباب لا المسنين.

بعد الإرهاب، تأتي معاناة الشباب المصري من البطالة والفقر لتتصدر أولويات الوطن وليس أولويات وزارة الشباب والرياضة التي لا تقدم مليمًا واحدًا للمشاريع الصغيرة في وقت تركز فيه مواردها على الرحلات وبرامج التعليم المدني التي لا تزال تُنفَذ بنفس العناوين وقائمة المحاضرين والشباب المشارك كما كانت منذ عقود!!

ويعد نجاح العديد من الجماعات الإرهابية في تجنيد الشباب رسالة قوية يفُترَض أن تصل للسيد وزير الشباب للعدول عن السياسة الحالية ومراجعة برامج وانشطة الوزارة خاصة تلك التي عفا عليها الزمن.

لا سياسة شبابية... لا سياسة اقتصادية.

وبمناسبة الحديث عن السياسة الحالية، يجب أن أصدم القارئ بأن حقيقةً لا توجد (سياسة شبابية) في مصر، على الرغم من نجاح العديد من الدول في تطوير سياسة شبابية من رحم رؤية قوية للنهوض بالشباب أعمدة الأوطان.. إلا أن وزارة الشباب والرياضة المصرية لا تزال تعمل وتنفق أموالًا طائلة بلا سياسة محددة مبنية على أهداف ورؤية.

وعلى الرغم من توجيه حكومة أذربيجان الدعوة لوزارة الشباب والرياضة المصرية عام 2014 للمشاركة بأول مؤتمر للسياسة الشبابية باعتباره موضوع فريد وحيوي إلا أن الوزارة لم تشارك مما يعكس، ويؤكد عدم وجود أولويات لدى الوزارة مما يضمن فعليًا استمرار برامج وأنشطة قد لا تناسب احتياجات الشاب المصري.

ولا تعد وزارة الشباب والرياضة فريدة في عدم تطويرها سياسا خاصة بها لأن مصر بأكملها لا تمتلك سياسة اقتصادية تدير عجلة الإصلاح بالبلاد حيث لا ينص الدستور الحالي لا من قريب ولا من بعيد عن هوية الاقتصاد المصري سواء كان رأسمالي أو إشتراكي، فلا عجب أن البلاد لم تحقق تنمية حتى الآن.

وسط زحام المبادرات الشبابية الزاهية للتغيير المجتمعي والاقتصادي بالبلاد والتي يدعمها المجتمع المدني بعيدًا عن الحكومة، تقف وزارة الشباب والرياضة ببرامجها القديمة ووتيرة عمل موظفيها الفقيرة كرجلٍ عجوز.

وتعتبر صفحة فيس بوك الوزارة أحد مؤشرات تقزم دورها وتأثيرها وسط الشباب حيث يصل عدد متابعيها بالكاد 120 ألف على الرغم من تجاوز عدد متابعين لشخصيات عامة أضعاف هذا العدد مثل مشاهير الفن ولاعبي كرة القدم ومقدمي البرامج التلفزيونية والاذاعية ورواد الأعمال المجتمعية. وبالطبع هناك أسباب عديدة تكمن خلف عدم ميول شباب مصر لمتابعة تلك الصفحة هذا وإن كان أهمها الإدارة النمطية الجافة وعدم مخاطبتها الشباب خارج حدود الروتين الحكومي.

منشآت الوزارة.. مليارات منفقة وعائد لا يذكر!

وعلى الرغم من انفاق الوزارة مليارات لتطوير منشآتها في كل ربوع مصر مثل مراكز الشباب والمدن الشبابية التي أصبحت فنادق فاخرة تضاهي مشاريع مجموعة (إعمار) العقارية في دبي، إلا أن اقبال الشباب على هذه المنشآت لا يزال ضعيف للغاية، هل وضعت الوزارة أهدافًا لخطة التطوير قبل انفاق كل تلك الأموال، أم أن موازنة الوزارة تسير على نفس وتيرة الموازنة العامة للدولة المقسمة لبنود متحجرة لا تبصر الأهداف ولا تقيّم المخرجات لعقود طويلة، حيث يقتصر فهم قيادات الوزارة لنجاح برامجهم على انتهاء مراحل التنفيذ وليس على قياس حجم استفادة الشباب من تلك البرامج وجودتها وتأثيرها.

ويعتبر انتشار الملاعب الخماسية الخاصة بتمويل من المواطنين داخل القاهرة وخارجها كمشروع استثماري رسالة قوية وواضحة لوزير الشباب والرياضة مفادها ضعف مشاريع الوزارة في جذب الشباب. ورغم إنفاق الملايين لتطوير مراكز الشباب وفق خطة استراتيجية تشمل البنية التحتية والتجهيزات دون الالتفات لتجديد الأنشطة المنفذة فيها واستحداث أخرى، ونتج عن ذلك إقبال ضعيف من الشباب لأنها فعليًا تتعامل مع الشباب من طرف واحد يمثل وجهة نظر الوزارة منفردة.

وخلال اطلاعي على عدة برامج تنموية في مصر بحثًا عن المشاريع الناجحة، صادفني برنامج "التنمية بالمشاركة بالمناطق الحضرية" الذي طورته حكومة ألمانيا في إطار المساعدات المقدمة لمصر ويشارك في تنفيذه جهات حكومية مصرية عديدة مثل محافظة القليوبية ومحافظة الجيزة ووزارة التضامن الاجتماعي، البرنامج يقوم على الاستماع أولًا لسكان المناطق العشوائية المراد تطوريها مثل "جزيرة الدهب" ومعرفة احتياجاتهم وبناءً عليها يتم رسم الخطة وتحديد الأولويات وتخصيص الأموال، أي أن المستفيد من المشروع (وهو طبعًا المواطن) يشارك في صنع السياسات من بداية التخطيط لها مرورًا بكافة مراحل التنفيذ.

أما وزارة الشباب والرياضة ترسم الخطة وحدها دون اشراك الشباب فيها وهو واقع يقابل غالبًا بعزوف الشباب عن المشاركة بأنشطتها لأنها قد لا تناسب احتياجاتهم وطموحاتهم. وتعتبر مؤسسات المجتمع المدني أنجح بكثير في اجتذاب الشباب المصري إذ توفر لهم مساحة من حرية النشاط والعمل والابتكار والتفكير خارج الصندوق لأنها لا تتعامل مع الشباب كموظفين لا يهمهم سوى التوقيع في كشف الحضور والانصراف ولا يتركون مساحة في الميزانية لبرامج وأنشطة خارج الصندوق.

وعند النظر لخارطة توزيع القيادات داخل قطاع الشباب، سنجد أزمة حقيقية في فرص الحراك الوظيفي لتولي الكوادر الشبابية مناصب أعلى، حيث بات معيار (الأقدمية) سيد الموقف ليبني بذلك سد منيع أمام تمكين الشباب المستجدين، وبالفعل مَثل غياب معايير الكفاءة جوهر وهن دور الوزارة والذي صاحبه تراجع الإصلاح والتغيير في كافة أروقتها.

بل الأكثر جدلًا عدم وضوح نية حاليًا لخلق جيل شبابي مؤهل لتولي المناصب في المستقبل، فلا يزال منصب رئيس الإدارة المركزية للمنشآت شاغر وقد سبقه منصب مدير عام علاقات عامة وخارجية لأكثر من عام... هل تتعامل تلك الوزارة مع حتمية خلق قيادات المستقبل من الكوادر المتاحة لديها حاليًا بجدية!

ورغم ضخ دماء جديدة في شرايينها من أوائل الخريجين وحاملي درجة الماجستير والدكتوراه من تخصصات متنوعة بهدف الإصلاح والتغيير، إلا أن أغلب صناع القرار بالوزارة دفنوا معظمهم تحت الرمال ليعاد تنشئتهم على نفس وتيرة الجمود وعدم التجديد والهيراركية التي رسختها الأجيال السابقة.. أي في نفس القالب.

في نهاية المقال، أطرح تساؤلات هامة، هل تبادر الوزارة ببرنامج جاد لتأهيل قيادات المستقبل، وهل تقلع عن الأنشطة الغير المناسبة لأولويات المرحلة الحالية؟ وهل سيحرص السيد وزير الشباب والرياضة على وضع سياسة شبابية تقود قاطرة الإصلاح والتجديد!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط