الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الجماعات الإرهابية وخرافة استرداد أراضي الأديرة المنهوبة!


عجبت لك يا زمن أن نرى جماعة الإخوان يخرجون على قنواتهم التحريضية عقب القرار الجريء والشجاع للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باسترداد أراضي الدولة التي اغتصبها الفاسدون والمنتفعون والمتآمرون على قوت ومقدرات شعبنا ليطالبوا الرئيس السيسي بل ويحرضوه على استرداد الأراضي المنهوبة التي اغتصبتها الأديرة والكنيسة المصرية.

والسؤال هنا للإخوان وأعوانهم: "منذ متى ترون السيسي رئيسا شرعيا حتى تطالبونه بهذا المطلب المفخخ؟ وهل أصبح السيسي الآن رئيسا غير انقلابي وقد صدعتونا كل يوم في برامجكم ونشرات أخباركم بأنه زعيم الانقلابيين؟".

والعجيب أن حالة الغمز واللمز والولولة والتحريض العلني لاستباحة حرمة الأديرة المصرية على القنوات الإخوانية باتت مفضوحة ضمن مسلسل ضرب مصر ووحدتها، وهي لا تقل شراسة وضراوة عن مسلسل التحريض ضد الكنيسة المصرية والأديرة قبيل ثورة 25 يناير 2011 التي اختطفوها وركبوها ودلدلوا أرجلهم عليها ووصلوا من خلالها للحكم بدعم أمريكي قطري واضح، ولعلنا نتذكر جميعا تحريض سليم العوا على قناة الجزيرة القطرية التحريضية قبيل 25 يناير 2010 ضد الأديرة والكنائس وادعاءاته أن الكنائس والأديرة تُخزن الأسلحة لتحريض الغوغاء والدهماء والمتطرفين ضدها، كما ادعى بعض السلفيين أن المساحات الشاسعة من الأراضي التي تمتلكها الأديرة المصرية تمثل دولة داخل الدولة امبراطورية اقتصادية كبرى للكنيسة لا ينافسها فيها أحد.

وإنني من هنا أقول للإخوان والجماعات المتطرفة التي تخطط الآن لإشاعة الفوضى في البلاد قبيل 30 يونيو 2017 بإثارة مثل هذه الدعوات والنعرات الطائفية والتحريضية ضد الأديرة والكنائس والبابا، إن معظم الأديرة المصرية موجودة في مصر من قبل دخول الإسلام إليها في القرن السادس الميلادي، وبالتالي هي تراث إنساني وثقافي وحضاري وديني ليس ملكًا للأقباط فحسب بل مِلكًا للإنسانية جمعاء.

وبقاء هذه الأديرة للآن يؤكد بما لا يدع مجالا لشبه شك، سماحة الإسلام وحفظه ورعايته لحقوق المختلفين عنه في الدين، وهذا الكلام ليس ببدعة بل حقيقة مؤكدة يشهد عليها التاريخ تدحض كل ما يلصق بالإسلام عن معاداته للأديان ودور العبادة وتؤكد على أن الجرائم التي يرتكبها المتطرفون والمتشددون ضد المختلفين عنهم في الدين والتي طالت بل ومحت أحيانا كنائس ومئات من الأديرة عبر التاريخ لا يمكن أن تنسب للإسلام، ويذكر التاريخ أن عمرو بن العاص عندما دخل مصر أعاد الأنبا بنيامين البطريق الثامن والثلاثين الذي كان هاربا في أرجاء مصر لمدة 13 سنة من الرومان الذين كانوا يختلفون عنهم في الإيمان إلى كرسيه وأمنه على نفسه وعلى كنائسه وأديرته، بل والأعظم من ذلك أنه ساعده في بناء كنيسة الإسكندرية وهذه الحقيقة التاريخية لم تؤكد عليها المصادر التاريخية الإسلامية فقط بل شهد بها المتنيح البابا شنودة الثالث بنفسه في كلمته التي ألقاها بمجلس الشعب بحضور الرئيس الراحل محمد أنور السادات وعدد من القيادات الإسلامية والمسيحية والنواب والمسئولين.

كما أن وثيقة الرسول عليه السلام مع نصارى نجران ووثيقة المدينة تؤكد على حفظ الإسلام للمسيحيين وكنائسهم وصوامعهم ورهباناتهم وممتلكاتهم، كما أن وصية الرسول بأقباط مصر جعلت للأقباط في نفوس المسلمين والفاتحين مكانة خاصة ومنزلة لا يدانيها منزلة عندما قال "استوصوا بالقبط خيرا فإن لنا فيهم نسبا ورحما"، وأيضا "من آذى ذميا فليس منا"، العهد لهم ولأبنائهم عهدا أبديا لا ينقض يتولاه أولو الأمر ويرعونه.

وبالتالي لا يمكن أن يحسب بعض الولاة والحكام والمتشددين والإرهابيين الذي يناصبون الأقباط والمختلفين عنهم العداء على جوهر الإسلام الحقيقي، وأقول للإخوان وبعض السلفيين المتشددين الذين يعتبرون أراضي الأديرة ضمن الأراضي المنهوبة والمسلوبة، وأنه يجب على الرئيس استرداد هذه الإمبراطورية الاقتصادية التي لا ينافس الكنيسة فيها أحد، إن الكنيسة المصرية كنيسة وطنية دفعت أثمانا باهظة طيلة تاريخها الممتد للدفاع عن أرض مصر كلها وسيادتها ووحدتها ورفضت أي تدخلات خارجية أو مطالب للحماية الدولية، وهي تعمل بقول السيد المسيح "اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله".

فالكنيسة لم ولن تغتصب أرضا ليس لها بل تضرب أروع الأمثلة على احترام الحقوق والالتزامات بالواجبات التي يفرضها القانون والدستور، ولعل كلمة البابا تواضروس الثاني عندما استباحت الجماعات الإرهابية كنائس المنيا بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة خرج ليعلنها للعالم بأعلى صوت "وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن"، فعندما تذكر الوطنية يجب أن نستدعي الكنيسة القبطية دائما ومواقفها المشرفة، فدماء الأقباط التي سالت وتسيل كل يوم للحفاظ على مصر ووحدتها لا تقدر بأثمان ولا توزن بمساحات وأفدنة في أديرة، فالكنيسة المصرية لم تبخل بشيء على مصر.

كما أن المساحات التي تمتلكها الأديرة المصرية تحت بصر وسمع أجهزة الدولة ورقابتها كانت أراضي جرداء صخرية واستطاعت الأديرة أن تحولها لأراضٍ خضراء ومشروعات تضيف للاقتصاد المصري وتخفف عن أعباء الدولة في العمالة والمشروعات الغذائية المختلفة.

ولعل دير أبو مقار يضرب أروع الأمثلة على ذلك، وهو أحد الأديرة التاريخية الأثرية القديمة الذي تبرع له الرئيس السادات عن طريق أحد وزرائه بـ 1000 فدان، وذلك وفقا لما هو منشور بالموقع الرسمي للدير.

وقد قدم هذا الدير نموذجا فريدا في إدخال التقنيات الحديثة في الزراعة والإنتاج الحيواني وخدمة البطالة وتتعاون معه أجهزة بحثية في مصر للاستفادة من خبراته في هذا المجال، ومن المؤكد أن كل هذه المشروعات والأراضي تخدم مصر كلها، فالكنيسة المصرية لم ولن تغتصب أرضا لأنها صمام أمن وأمان لمصر كلها، ولم تغتصب حقا ً بل تترك أحيانا كثيرا من حقوقها راضية مرضية وعن طيب خاطر لأجل مصر، فهذه الكنيسة الشامخة ستظل مثلا حيا على الوطنية والتضحية بلا حدود للدفاع عن الإيمان والأرض، ويجب على الحكومة أن تقتدي بها في تعمير واختراق الصحراء التي ما زال حوالي تسعة أعشارها بلا تعمير ولا خضرة، وعلى الإرهابيين والخونة والمحرضين أن يصمتوا للأبد.
 
حفظ الله مصر وجيشها وأزهرها وكنيستها.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط