الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الطريق إلى غزة


اضطرت غزة لدفع أثمان كثيرة في السنوات الأخيرة، فقد تحملت ضريبة المواجهة الدائمة مع الاحتلال، بالرغم من انسحاب قواته ومستوطنيه من أرضها قبل ما يزيد عن عقدٍ من الزمن، وتحملت مشاق الحصار الظالم على أهلها، على الرغم من وجود تفاهمات تتعلق بإنهاء هذا الحصار في صفقة تبادل الأسرى التي جرى بموجبها الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وكذلك بعد انتهاء حرب العام 2014 التي شنتها إسرائيل على القطاع المحاصر، وتحملت تهميشًا مقصودًا ومتعمدًا من الحكومات الفلسطينية في رام الله، حيث بررت هذه الحكومات تقصيرها بحق غزة بأن الانقسام يعطّل جهودها في التدخل لإعادة الاعمار واعادة العجلة الاقتصادية للدوران وتأهيل البنى التحتية، بما فيها قطاعي المياه والكهرباء، وقطاعي الصحة والتعليم، لكن شيئًا من هذا لم يحدث على الرغم من توقع أكثر من اتفاقية مصالحة وفي أكثر من بلد وبأكثر من تسمية.

حال قطاع غزة اليوم يستدعي من كل شرفاء هذا الشعب، في الداخل والخارج، أن يتوقفوا أمام مسؤولياتهم، وألا يكتفوا بتوصيف معاناة الناس، أو تحميل المسؤولية للمقصرين من ولاة الأمر، المأساة تتطلب وقفة شجاعة مع النفس، وصحوة ضمير جماعية، ومبادرات ومقترحات وحلول للأزمات، وأفكار منتجة، لا سردية ولا نمطية للمعالجة، لا نريد كلامًا مرسلًا بشأن المعطيات القائمة، المطلوب هو جهد خلّاق وروح جماعية عالية، وفريق عمل وطني، من مختلف الأيديولوجيات والمرجعيات الفكرية والرؤى والمواقف، مع استدعاء واضح المعالم لكافة الجهات التي يمكنها المساهمة في معالجة الأزمة، ومن ثم الذهاب بعيدًا باتجاه تغييرات في الواقع يلمسها المواطن، وينهض معها حلم الشباب في وطن يمكن العيش فيه، بعد أن أوصلنا ساسة هذه البلاد ومفكروها إلى حالة تجعل مجرد الشعور بالأمل هو ضرب من المستحيل.

في الآونة الأخيرة جرت لقاءات بين قيادات من حركة حماس، التي تدير قطاع غزة بحكم الأمر الواقع منذ العام 2007، وبين قيادات فتحاوية أخذت على عاقتها النهوض بمسؤولياتها تجاه حلحلة أزمات غزة، بالمعنى الوطني والإنساني والمعيشي، وبدأ واضحًا للغزيين في ظل القرارات التي تتخذها حكومة رام الله والتي تنغص عيشهم ولا تغير في واقع الحكم على الأرض شيئًا، أن هناك من يحاول أن يخرجهم من الأزمة التي يعيشونها، بجهدٍ فلسطيني خالص، وبرعايةٍ كريمةٍ من جمهورية مصر العربية، ويرى الغزيون أن من واجبهم الوقوف إلى جانب كل من يحاول اخراجهم من حال البؤس الذي يعيشها المجتمع الغزي في ظل تداعي الأزمات وتراكمها وغياب أي أفقٍ لزوال المأزق الذي وضعتهم فيه مواقف الأطراف المتصارعة على سلطةٍ تحت الاحتلال.

بدا واضحًا اليوم من ردة الفعل الإسرائيلية المتعلقة بالتفاهمات التي جرى التوصل إليها في قاهرة المُعز، أن الفلسطينيين يسيرون هذه المرة في الطريق الصحيح، وأنهم اختاروا العيش الكريم بديلًا عن حالة التردّي التي أودت بنسيجهم الاجتماعي وزادت الأمراض الاجتماعية بشكلٍ يستدعي الوقوف بمسؤولية أمام الظواهر التي تتفشى في المجتمع الغزي، وبدا واضحًا كذلك أن القيادة الجديدة في حركة حماس والقيادة الشابة في حركة فتح قد اتخذت قرارًا بعدم الالتفات إلى الوراء والذهاب بجهدٍ جماعي من أجل تحسين حياة الناس في غزة، والنهوض بمشروعٍ اغاثي وتنموي ونهضوي قادر على انتشال غزة من أزماتها، ولا عزاء اليوم لمن ناشدته غزة واستنجدت به على مدى سنوات ليأخذ بيدها في هذا النفق المظلم ثم لم يلتفت لجراحها ومعاناتها على مدى سنوات، اليوم سيعض هؤلاء أصابع الندم، وستنظر إليهم غزة نظرة تشفٍّ، على قاعدة أنها تتناسى ولا تنسى، تسامح ولكنها لن تغفر.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط