الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ثورة يونيو وما بعد الأزمة القطرية


لقد كان لثورة الثلاثين من يونيو آثار هائلة على كافة الاصعدة، ليس من بينها أنها قسمت المجتمع المصري قسمين، كما يحلو لبعض المحللين، الذين خرجوا علينا كثيرا مفسرين وإذا بهم راسمون الصورة بالفرشاة الخطأ، وواصفون الحالة بالأوصاف غير الحقيقية، ذلك الذي لن نتوقف عنده في هذه المقالة التي تتناول نتائج أخرى لهذه الثورة العظيمة في ذكراها الرابعة.

إن كل من له عينان، ولا يزال يحمل رأسه على كتفيه، يستطيع أن يرصد الحدث الجلل الذي وقع في مصر في الثلاثين من يونيو للعام ٢٠١٣ حينما خرج الشعب المصري رافضا لحكم جماعة الإخوان، ومطالبا بدولة مدنية، يكون أساسها المواطنة، وحاكمها القانون، ذلك الحدث الذي لا تزال آثاره ونتائجه متتابعة متوالية حتى يومنا هذا، وأجزم جزما أنها ستواصل الاستمرار عدة سنوات قادمة.

إن ما يصطلح عليه الآن الأزمة القطرية، والحالة هنا مثال اخترناه لآنيته ولأنه أحدث التداعيات، إن هذه الحالة نتيجة حتمية جاءت في توقيتها الذي يتفق مع اختمار الأحداث الناتجة عن الفعل الثوري المصري المُزَلْزِل للمنطقة بأسرها والعالم ولا أبالغ.

تلك الأزمة القطرية سيتبعها أزمة أكبر حتما، يحاول البعض جاهدا استباق الزمن لإيقاف الأحداث المؤدية لها، في محاولة مستميتة، ما اظن أنهم سينجحون، لأن الضربة قد تمت، والرصاصة قد خرجت من فوهة البندقية التي صوبها ببراعة فائقة أبناءُ مصر، والزلزال قد وقع وتوابعه قادمة لا محالة.

بعودة للخلف نعلم يقينا أن ذلك الحدث المصري التاريخي، كان مُلْهِمًا، فإذا بتونس تتبدل، وإذا بليبيا تقاوم، وإذا بسوريا تصمد، وإذا بالعراق تجادل، وإذا باليمن تصارع، ومع كل وصف لهذه الدول يمكن أن نقف ونستوقف.

إن الأزمة الأكثر عمقا، والأخطر تأثيرا، التي أزعم أنها في الطريق، ستقع خلال أشهر أو سنوات قليلة، ستكون تحت عنوان "الأزمة التركية"، والتي اظن أن مجيئها، في نهاية سلسلة الأزمات يتفق ودورها الذي كان هو الأكثر فعالية في المشروع الكبير، تلك الأزمة التي تتراءى للأعين إرهاصاتُها، والتي نرى أن الموقف التركي من الأزمة القطرية هو أَخْفَتُها، أما أكثرها وضوحا، فيتمثل في تلك الإخفاقات المتتالية في كافة الملفات التي تدخلت فيها تركيا، بدءًا من "ثورة الياسمين" التونسية، انتقالا إلى "ثورة الشباب" المصرية، عكوفا على "الاضطرابات الليبية" انتقالا إلى الحالة السورية التي لَقَّنت تركيا ولا تزال درسا قاسيا، كان من نتائجه تسليح الأكراد في شمال سوريا ما سبب صداعا للخليفة العثماني، ذلك الصداع الذي كان سببا لهذيانه.

إن التخبط التركي في الأزمة القطرية، يتفق مع التخبط في كافة الملفات والقضايا التي وقعت أخيرا في المنطقة في العقد الأخير، ومحاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لفت الانظار إليه باعتباره سلطان المسلمين وكأنه حامي حمى الإسلام، ابتداء من مسرحية انسحابه من مؤتمر دافوس الذي كان يحضره رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز، اعتراضا ، فيما سبق من مبررات، على العدوان الإسرائيلي على غزة ذلك المشهد التمثيلي الذي لم يرق إلا لمجاذيب السلطان المزعوم، مرورا بحادث السفينة مرمرة التي قتل فيها ضباط الجيش التركي، ولم تحقق شيئا، سوى استمرار للمشاهد التمثيلية للسلطان العثماني؛ الذي كان يستطيع الحصول على التصريحات المطلوبة للدخول دونما وقوع خسائر، ولكن الرجل معتاد على الخسائر ذلك الذي ظهر لاحقا في كل المعارك والقضايا التي خاضها.

وتأتي الأزمة القطرية لتتوج، إن جاز التعبير، تلك الإخفاقات المستمرة للرؤية والموقف التركي في ظل حكم رجب طيب أردوغان.

نعم نعلم أن الموقف التركي من الأزمة القطرية موقف أيديولوجي، ولكنه في الوقت ذاته براجماتي بحت، حيث أن انتهاء الأزمة القطرية بما يتناسب مع مصلحة المنطقة، وما يتفق والرؤية الخليجية من ناحية والعربية من ناحية أخرى، يعني، بما لا يدع مجالا للشك، أن تركيا أصبحت وحيدة تماما، عارية من كل غطاء، فلقد فقدت بموقفها الراهن، مهما قيل من تبريرات وتحليلات، الدول الخليجية الأكثر تأثيرا من الناحية الاقتصادية - المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين - والفاعلة بقوة من الناحية السياسية، كما كان قد فقد منذ اندلاع ثورة الثلاثين من يونيو الدولة الأهم عربيا وشرق أوسطيا، مهما حاول الأعداء تصوير عكس ذلك، وهي مصر، التي قضت تماما على مشروعه، ولا تزال براكين ثورتها المباركة في الثلاثين من يونيو والتي تحل هذه الأيام ذكراها الرابعة، تقذف بالحمم تشوي وجوه هؤلاء الذين وقفوا في طريقها.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط