الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مارتينا مدحت تكتب : "ساعة الاكتمال"

الكاتبة مارتينا مدحت
الكاتبة مارتينا مدحت

كانت الأزمة كامنة دائما فى التأقلم، محاولة التعايش مع أيا كان الوضع الراهن واحتوائه بقدر المستطاع وتفهم أبعاده، وذلك كحل أفضل من أن يقوم الوضع الجديد بابتلاعك، لم يكن يوما الأمر سهلا ولا أعلم أهو رضا زائف أم هو عزيمة صلبة وصبر متفانٍ غير متزعزع.

سئمت المراحل الانتقالية التى أتكبد فيها عناء شهور وسنين ومجهودات كثيرة حتى أنتقل من النقطة أ للنقطة ب، سئمت طيلة انتظار غائب لا يأتى وحاضر مُر لا يمُر، سئمت النمطية والوعي الجمعي الذى لا ينظر للجمال كضرورة، ولا يبحث عنه حتى نساه وما عاد يألفه فاتخذ من القُبح صورة للكمال.

سئمت من كل الأحداث التى لا تعطى لك مجالا لتقول إنك بخير وعلى ما يرام، ومن كل المرات التى تعجز فيها عن منع الهواء من أن يصير خانقا وجعل الطرق تتشابه إلى حد أن تضيع فيها.

سئمت من معضلات كثيرة وقفت فى منتصفها أنتظر أن تنفك عقدتها حتى أستطيع اتخاذ الطريق الصحيح، تارة أجد نفسى أمام أسئلة لا إجابات فعالة كافية للرد عليها وحسم الجدال فيها، وتارة أمام مواقف خارج سيطرتى وبعيدة، أبعد البُعد عن كوابيس خيالى.

كم أرهقتنى العودة لنقطة الصفر وكأن فعلا "يموت المعلم ولا يتعلم"، كم أرهقتني نفسى حين قررت التخلي عن مسئوليتي أمام ما يحدث واتخذت من كل شيء يخطر ببالى أن هذا الشيء هو السبب لكل ما فُرِض علىّ ولكل فشل ولكل طريق سبق وسرت منه.

لا أريد أن أفقد رجائى أنه سيأتى يوم وأتعلم وأصبح فى نفس فطنة الرحالة الشجاع الذى آلف الوديان وثغرات الجبال وآبار الصحاري ولم ينل منه وحوشها الكاسرة وحرارتها المُهلكة، أدرك أن الموت لا يصنع شيئا وأنه لا مفر من هذا العالم الموحش إلا بأن أحيا فيه، لا مجال للهروب منه، فأنا العالم وما الهروب منه إلا نفيًا لنفسي، وأن الخطأ ليس خطئي -وإن كنت أُخطئ - هم الذين أصبحت قلوبهم تشبه المؤسسات الجوفاء الخاوية الرتيبة التى لا تعمل إلا على تغريب عواطفي وجعلي أُصدق الأكاذيب الجميلة والعيش وفقا لها وبها.

سأختبر النضوج، هذا الأخير لا يُكتسب وإنما يختبر، سأنصت أكثر وأتكلم أقل، وأمتنع عن خوض نقاشات لا طائل منها، سأنصرف فى حالي وأنشغل بما لي وما علىّ، سأُمارس عزلتي دون الحاجة للهروب من الناس وتكون مشاعري وانفعالاتي أكثر استقرارًا وتخفت حدة الأصوات والاندفاع، سأدرك قيمة الدائرة الصغيرة الأكثر احتواءً واحتضانا من الكبيرة المتشابكة الباردة .

سأتحاشى المزالق السابقة وأتجه لطريق لا يزج بى نحو المهالك، سيصبح وقعي أخف وينتهي انتظار دام أعوامًا وأنا لا أعلم ماذا أنتظر ولكني أشعر بأن هنالك شيئا ما سيظل ناقصًا حتى تأتى ساعة اكتماله.