الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دعوها فإنها "منتنة"


تابعت بقلق تعليقات وردت على نبأ ترقية المستشار أمير رمزي إلى منصب رئيس محكمة وكم كنت أتمني أن تكون التعليقات على سلامة الإجراء أو الإشارة إلى تجاوز مستحق أو مجاملة آخر بل كان جلها تعليقات عنصرية قائمة على أجندة تصنيف مقيتة تورد الناس موارد التهلكة وهنا رجعت بالذاكرة إلى فكرة التصنيف التي زرعتها عصابة حسن البنا وتنظيمه المسلح بين المصريين فحين فشل الإنجليز في تثبيت احتلالهم بالقوة العسكرية قرروا أن يضربوا مفهوم الوطنية الذي يجمع المصريين فدسوا بين صفوفه تنظيم الإخوان الذين نعتوا أنفسهم بالمسلمين بين مجتمع أغلبه من المسلمين وكأنه إعلان عن دين جديد يجهله أهل المحروسة.

وقرر الاحتلال أن يمارس احتلاله لكن بالوكالة عبر هذا التنظيم الذي بدأت ميليشياته في العمل على "تكفير" فكرة الوطن الوطنية وأنها ليست من الإسلام في شيء إلى الحد الذي دفع المقبور غير مأسوف عليه سيد قطب إلى وصف الوطن بأنه ما هو إلا حفنة من تراب عفن وهو ما سار عليه أيضا المرشد المخلوع مهدي عاكف حين قال "طظ في مصر وأبو مصر".

إنها سلعة منتنة يروجها التنظيم باسم الدين ووقع في شراكها كثيرون وتجلى ذلك إبان أحداث فوضى 25 يناير التي ارتفع فيها الصوت بتصنيف المصريين ما بين اخوانجي وسلفي وفلول وثورجي وحزب كنبة وبرداعاوي وأبريلي و.....و.. غير ذلك من أسماء ما أنزل الله بها من سلطان فرسول الله حين شهد التفاخر بين الأنصار والمهاجرين بنصرته غضب غضبا شديدا واحمر وجهه الشريف قائلا "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم دعوها فإنها منتنة" إذن صاحب الشرع الشريف يعتبر التفاخر الفكري والمذهبي جاهلية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بشرع الله فلماذا إذن لماذا يتمسك من يقدمون أنفسهم على أنهم حراس الدين به ؟!

الإجابة واضحة وهي تفريق أبناء الوطن عنه وأن الدفاع عنه ليس عملا في سبيل الله لذا نرى من يستبيح بأريحية قتل أفراد الشرطة أو من يعتبر استهداف الجيش جهادا بل رأينا أكبر من هذا وأعظم حين يقتل الابن أباه وأمه بدعوى التبرؤ من أعداء الله ..والسؤال هنا يبدو واجبا هل هناك شئ اسمه وطن وهل حبه واجب أم أن هذه مفاهيم جديدة زرعت فينا.

ولندع رسول الله ليجيب فكلنا نتذكر كلماته بعد أن طرده مشركو مكة حيث قال "والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلىَّ ولو أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت" وهو إقرار نبوي بمعنى الوطن وأن حبه واجب حتى لو تعرض فيه الإنسان إلى ما تعرض له رسول الله من إيذاء بدني ومعنوي بلغ حد الطرد منه.

ولندع أيضا كتاب الله يجيب عن سؤالنا فقد قال تعالي : وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وهو اعتراف قرآني - يتعبد به حتى تقوم الساعة - بالشعوبية وأن لكل شعب وأمة خصائص يجب أن تحترم ويتم التعرف عليها تحت سقف من تقوى الله.

من هنا نقول بكل قوة إن المواطنة ليست خارجة عن شرع الله بل هي جزء أصيل من الدين مارسه رسول الله في المدينة المنورة التي شهدت ميلاد أول دولة للمسلمين فمن يستطيع أن ينكر أول دستور وضعه النبي وجعله قائما على المواطنة وحفظ الحقوق وتعظيم الواجبات في حق سكان المدينة على اختلاف دينهم وهي الوثيقة التي عرفت بـ"وثيقة المدينة" التي خضع لها المسلمون وغيرهم من اليهود الذين كانوا يجاورون المسلمين في دولتهم وكانت الوثيقة واضحة في التأكيد على مبدأ المواطنة حيث اعتبرت أن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين وأن بيننا وبينهم النصح والبر دون إثم بل وصل حد الشراكة إلى القتال معا دفاعا عن الدولة حيث نصت الوثيقة" إن اليهود لينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين" كما أقرت العدالة الاجتماعية في حفظ الحقوق فكتب بها " إنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم".

إذن دولة المسلمين ليست قائمة على هوية دينية كدولة إسرائيل الزائلة حتما بل هي دولة مدنية قوامها العدل وحفظ الخصوصية لكل قاطنيها وتحترم حرية العقيدة وتكفل استقلال الذمة المالية وتعلي من التعاون في حماية الوطن في حالة الحرب وتدعو إلى التناصح وتوحيد المرجعية.

إذن يتهافت أمام ذلك كله الدعاوى والمحاولات الخبيثة وراء العبث في الرأي العام حول تولية مصري قبطي منصب رئيس محكمة بل يعد هذا اجتراء وإهدارا لقيم الدين وأستطيع بكل قوة أن أردد كلمات النبي على مسامع كل من تبنوا مثل هذه الأفكار الشيطانية ... دعوها فإنها منتنة .. دعوها فإنها منتنة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط