الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل يمكن أن تكون الفيدرالية نظاما جديدا للشرق الأوسط؟


حالة من الغليان أو الطوفان تشهدها منطقتنا الشرق أوسطية منذ بدايات القرن المنصرم وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين لم تشهد دولنا استقرارًا وأمنًا تقدم لشعوبها ولو قليلًا من الكرامة والحرية التي لطالما بحث عنها الإنسان منذ الأزل. 

صراعات كثيرة وحروب مريرة تم خوضها تحت مسميات شتى ومصطلحات مقدسة عديدة، إلا أن لا تلك الصراعات ولا المصطلحات المقدسة جلبت للإنسان كحالة مجتمعية شيئًا يذكر من الفردوس المفقود يعيشها الفرد في حياته الدنيوية، بل عملت تلك الصراعات والمصطلحات على ربط عقل الإنسان في الحياة الآخرة وتجريده من دُنياه على حساب اليوم الآخر. 

لذلك نرى أننا نعيش حالة من الانفصام الشخصي والمجتمعي نلهث وراء زينة الحياة الدينا في جمع أكبر كمية ممكنة من المال وتبرير الزواج بأربع وما ملكت أيمانكم لإنجاب أكبر عدد من الذرية تحت ظل العقلية العشائرية التي ما زالت تفتخر بالكم ولا تعير أي اهتمام بالكيف والنوعية.

السياسات المتبعة من قِبل أنظمة الحكم في منطقة الشرق الأوسط لم تتخلص بعد من تجريد الإنسان من ماهيته الإنسانية والمجتمعية وتعمل على إبعاده عن التفكير بتنظيم ذاته ومجتمعه اخلاقيًا وسياسيًا، وأن النظم سرقت كل ما لدى الفرد من أخلاقيات مجتمعية وربطته بقوانين وضعية تم وضعها لخدمة النظم المتحكمة بكل ما في المجتمع لتزيد من سطوتها وسلطتها وجبروتها وكل ذلك تم ويتم باسم أن "كل ما يقوله الحاكم هو من عند الإله" ولا اعتراض على حكمه، بعيدًا عن الحوار والنقاش وإقناع الشعب بجدوى هذه القوانين والمراسيم الإلهية وإيصاله لحالة من الذهنية المتقوقعة والمنغلقة على ذاتها ودوغمائية لا تقبل الآخر وحقنه بعواطف هو بعيد عنها ولا تمثله إلا في الشكل من قبيل "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، حينها يكون هذا الفرد غير متقبل لأي شيء يخالف ما يؤمن منه من تابوات مقدسة على أنها من عند الإله، ويصدق نفسه أنه من هذه الأمة التي آمنت أنها ستدخل الجنة من دون حساب على أساس أنه منها، لكنه تغافل أو تم إغفاله أن الأخلاق والتعامل مع الآخر هو الطريق المؤدي إلى ما ينشده الانسان من حياة حرة وكرامة.

حتى راهنا يتم إقناعنا أنه لا بديل عن النظم المركزية في حكم البلاد والعباد وأن كل من تسول له نفسه من الاقتراب من هذه المقدسات سيكون مصيره من مصير "أبو لهب"، ونسينا أو تناسينا أنه في المحصلة أنه ليس هناك شيء في الكون أقدس من الإنسان بحد ذاته وأن الدول والنظم والأوطان ما هي إلا لخدمة هذا الإنسان، وحين تنقلب الآية وتكون الدولة والنظم هي المقدسة والإنسان هو الوسيلة حينها نكون من أتباع ومريدي الشيخ (ميكافيللي) واضع أسس النظم السلطوية والديكتاتورية والحداثة الرأسمالية التي لا تفكر بشيء سوى بمصالحها والربح الأعظمي على حساب تدمير المجتمعات على رؤوس شعوبها، وليس هناك سلاح أنجع من سلاح المصطلحات الدينوية والدنيوية التي يتم استخدامها في هذه الصراعات والحروب.

معظم الدول في المنطقة تم تشكيلها ورسمها في بدايات القرن العشرين المنصرم على يد الجزارين سايكس – بيكو وتم تقديم هذه الدول لنا على أنها التي ستجلب لنا الحرية والكرامة وأنها الوسيلة الوحيدة للوصول إلى فردوس الدولة المستقلة. مائة عام ولم نرَ سوى القتل والدمار والتهجير والنحر والحرق والسجون وانعدام الأمل جراء لهثنا وراء سراب لم يكن يومًا حقيقة، بل كان الخديعة الكبرى التي أكلنا منها ونحن نضحك على ذاتنا قبل الآخر في أننا على الطريق السليم. نفس خطيئة سيدنا آدم حينما أكل من فاكهة الجنة على أنها سرّ الخلود ولكنها كانت سبب اللعنة وطرده شرّ طردة من الفردوس الذي ما زلنا نبحث عنه في عقليتنا المتحجرة.

فهل مكتوب علينا أن نجرب المجرب ونسير في نفس الطريق ونكرر الويلات ونزيد التقسيم تقسيمًا، أم علينا الرجوع عن الطريق الخطأ والبحث عن حلول أخرى ربما تكون ناجعة أكثر من الحلول التي جربناها منذ عشرات السنين. لنبتعد ولو قليلًا عن النظم المركزية التي لم نرَ منها سوى الحالة التي نعيشها الآن نتيجة السياسات المتبعة من قبل تلك الأنظمة، ولنجرب ما تطرحه مكونات الشمال السوري من حلول جديدة على المنطقة ولتكن الفيدرالية طالما هي عامل اتحادي أكثر مما هو طريق نحو التقسيم. وكلنا يدرك أن ما بين الاتحاد والتقسيم تكمن شعرة معاوية. إن تم بناء الثقة مكان الإقصاء والصهر الثقافي والتعاضد مكان العنصرية حينها يمكن العيش المشترك على أساس أخوة الشعوب.

أثبتت ثورة الشعب الكردي في شمالي سوريا أنهم يبحثون عن حلول لمنع تقسيم المنطقة ثانية وتكرار مائة عام من الويلات والحروب، وأن النظام الفيدرالي الذي يطرحونه ليس على أساس قوموي متعصب بل على أساس جغرافي يضم كافة المكونات والشعوب التي تقطن الجغرافيا من كرد وعرب وسريان وآشور وتركمان وشيشان وأرمن، وكلٌ يعمل على إغناء ثقافته ولغته وكينونته لأن الغنى أساس القوة ولم يكن مطلقًا عامل تفرقة مثلما يدّعيه منظروا النظم المركزية الأحادية، ولتكن النظم الفيدرالية دواءً جديدًا لمعظم المشاكل التي عانينا منها في ظل الدول المركزية الاستبدادية.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط