الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فرنسا تدفع غاليا ثمن مواجهة الإرهاب بفكر "البيزنس مان"


كشفت عملية الدهس الإرهابية التي تعرض لها 6 جنود فرنسيين في ضاحية لوفالوا بيريه بشمال العاصمة الفرنسية باريس يوم 9 أغسطس الحالي، عن أن انتهاج فرنسا لسياسة "البيزنس مان" التي ابتدعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إطار مواجهة الإرهاب ، سيكون لها تداعيات كارثية، على فرنسا حتى لو أقنعت نفسها بأنها  اتخذت إجراءات أمنية منفردة لحماية أراضيها بشكل فعال.

فاللمرة السادسة على التوالي يضرب الإرهاب باريس رغم كل الإجراءات الأمنية التي اتخذتها فرنسا لتأمين مدنها.

والمثير للدهشة أن كل العمليات الإرهابية التي جرت في 2017 استهدفت منظومة "سونتينال " التي تشكلت من 10 آلاف جندي معظمهم من أفضل العناصر تدريبا في القوات المسلحة الفرنسية إلى جانب عدد من أقل من الشرطة لمكافحة الإرهاب.

فعملية الدهس التي وقعت يوم 9 أغسطس وأسفرت عن إصابة 6 جنود كشفت عن أن الإرهاب أصبح منظومة دولية تتحرك بمهنية تساندها أموال طائلة ويتم التخطيط لعملياتها بشكل دقيق ومدروس. وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال استهداف الإرهاب لمنظومة سونتينال التي تعني "حارس " . وكانت الحكومة الفرنسية السابقة قد وضعت منظومة سونتينال في 2015 عقب العملية الإرهابية التي استهدفت صحيفة "شارلي إبدو" الأسبوعية الساخرة.

ويرى فلوران دو سان فيكتور ، المتخصص في شئون الدفاع ، أن تركيز الإرهاب على منظومة سونتينال بنسبة مائة في المائة يكشف بوضوح أن الإرهاب أصبح يوجه ضرباته بشكل منظم ومدروس وليس بشكل عشوائي.

يشار إلى أن أفراد سونتينال منتشرون في كثير من الشوارع والأماكن الحساسة في فرنسا خاصة في محطات القطار ومحطات المترو والمطارات والشواطئ والمزارات السياحية بما فيها شارع الشانزليزيه الشهير وبرج إيفل .

ويستند في فرنسا من يرون في الإرهاب شبكة دولية منظمة يجب محاربتها دوليا وليس بشكل منفرد أو حتى أوروبيا فقط ، على الإمكانيات المادية التي توافرت للجزائري، حمو بن الأطرش منفذ عملية الدهس الأخيرة في لوفالوا- بيريه حيث تمكن من استئجار سيارة فاخرة من طراز "بي ام دبليو" حديثة لتنفيذ عملية الدهس . يذكر أن حمو بن الأطرش (38 سنة ) يعمل سائقا بالأجر ولا يمتلك الإمكانيات التي تمكنه من استئجار سيارة فاخرة إلا إذا كان يقف وراءه تمويل منظم.

أما تيبو دو مونتريبال، رئيس مركز دراسات الأمن الداخلي، فيبرر وجهة نظره بأن الإرهاب أصبح منظومة دولية يختار أهدافه بدقة من خلال انتقاء الإرهاب لضاحية لوفالوا - بيريه لكونها تحتضن المقر الرئيسي لجهاز أمن الدولة الفرنسي " DGSI" التي تعتبره فرنسا أقوى جهاز أمني في أوروبا.

ويرى مراقبون أن فرنسا تدفع ثمن سياسة البيزنس مان أو رجل الاعمال التي ابتدعها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، و التي تقوم على استغلال الإرهاب لتحقيق صفقات بمئات المليارات، كما حدث مع السعودية ، عندما نجح ترامب في عقد صفقات معها بلغت 400 مليار دولار .

يذكر أن السعودية لم تكن لتعقد كل هذه الصفقات خاصة أن معظمها في مجال التسليح لو لم يكن هناك إرهاب يضرب على بابها المتمثل في جماعة الحوثيين التي تتلقى تمويلا سخيا من قطر . يشار الى أن سياسة البيزنس مان الامريكية كما هو واضح تقوم على التساهل مع الإرهاب عندما يضرب الدول العربية ومكافحته بشراسة عندما يستهدف الأراضي الأمريكية أو الأوروبية أو الحليف الأكبر إسرائيل .

وظهرت بوضوح سياسة البيزنس مان الفرنسية مؤخرا من التعامل مع صفقة نيمار نجم منتخب البرازيل لدى انتقاله من برشلونة الإسباني إلى نادي العاصمة الفرنسي " باريس سان جيرمان " بمبلغ فلكي بلغ 220 مليون يورو .

 يشار إلى أن نادي باريس سان جيرمان مملوك لشركة قطر للاستثمارات .فعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لهذه الصفقة من جانب الكثيرين في فرنسا  العالم على أساس أن قطر تعد أكبر ممول للإرهاب في العالم إلا أن الرئيس الفرنسي، مانويل ماكرون ، أشاد بها في تناقض كبير لمواقفه الداعية لمكافحة الإرهاب وكل من يمولونه .

واعتبر ماكرون أن صفقة نيمار تعكس قوة جذب الاقتصاد الفرنسي للاستثمارات الأجنبية في تطبيق عملي لإستراتيجية التعامل مع الإرهاب بعقلية البيزنس مان . وتأتي إشادة ماكرون في وقت تطالب فيه دول المقاطعة الأربع لقطر (مصر ، السعودية ، البحرين ، الإمارات) بضرورة تكاتف كافة الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب لا سيما في مجال مصادر التمويل.

وللأسف الشديد فقد انتهجت الدبلوماسية الفرنسية نفس سياسة البيزنس مان في التعامل مع قطر . فقد صرح وزير الخارجية الفرنسي ، جون ايف لودريان ، خلال زيارته الأخيرة لقطر بأن فرنسا تدعو إلى التهدئة بين دول المقاطعة الأربع و قطر . وقد وصل في تصريحاته إلى حد أنه وصف الإجراءات التي اتخذتها دول المقاطعة ضد قطر بأنها تؤثر سلبا على حياة المدنيين القطريين . وأعرب أيضا عن أمله عن قيام أمير قطر، تميم بن حمد لزيارة فرنسا في وقت قريب، وتأمل فرنسا أن توقع خلال هذه الزيارة المأمولة عدة اتفاقيات مع قطر بالمليارات خاصة في مجال التسليح حتى تحصل على نصيبها من كعكة قطر التي توزعها لتشتري بها الدول التي تعارض تمويلها للإرهاب.

يأتي ذلك في الوقت الذي قالت فيه الصحفية الاستقصائية الفرنسية، فانيسا راتينييه ، أن قطر اعتمدت على أموالها في إفساد السياسيين الفرنسيين من أجل إيجاد نفوذ واسع لها في فرنسا . وأضافت راتينييه في ندوة بباريس بعنوان "استثمارات قطر المشبوهة في فرنسا" أن قطر قدمت الرشاوى للعديد من السياسيين في فرنسا كاشفة عن أن نيكولا ساركوزي رئيس فرنسا السابق لم يكن السياسي الفرنسي الوحيد الذي يتعامل مع قطر بل سياسيون آخرون.

ويبقى السؤال هل ستواصل فرنسا سياسة البيزنس مان في التعامل مع قطر أم سيجبرها الإرهاب الذي يضرب أراضيها بشكل منتظم ومنظم لاتخاذ موقف صارم من قطر الممول الأول للإرهاب في العالم ؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط