الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أعصابنا.. كيف نمسكها وكيف تفلت


يقول القرآن الكريم في سورة البلد "لقد خلقنا الإنسان في كبد" أي في شدة ومشقة، وتلك هي سنة الحياة، المشاكل تلاحق الإنسان أينما حل.. ولرحمة الله وعلمه بضعف الإنسان واندفاعه، ووعد سبحانه وتعالى الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس في سورة "آل عمران" بجنة عرضها السماووات والأرض.

وللأسف، فإن تطور الحياة وازدهارها في السنوات الأخيرة لم يكن في صالح أعصابنا، فقد استجدت عوامل كثيرة زادت من الضغط العصبي على الناس.. الزيادة السكانية والزحام وارتفاع حرارة الكون رفعت نسبة هرمون التوتر (الأدرينالين) عند البشر بنسبة 17%، واكتشف العلماء سببا آخر لزيادة أخرى في عدوانية البشر بنسبة 30% لم يسمع عنه أحد من قبل، وهو إصابة قديمة غير ظاهرة بطفيل التوكسوبلازما الذي تنقله القطط، وثبت أن ثلث البشر على كوكب الأرض مصاب بهذا المرض دون أن يعلم.

وفي بحث أمريكي نشر عام 2010، ثبت أن مستخدمي اليد اليسرى أسرع غضبا من مستخدمي اليد اليمنى وتلك حقيقة أخرى لم تكن معروفة من قبل.. كل هذا جعل من أبحاث مسك الأعصاب وضبطها أمرا مهما يشغل بال الكثير من الباحثين في دول الغرب هذه الأيام.

بوجه عام، أي مشكلة لا تخرج عن كونها خسارة مادية أو مس بالكرامة، إن حدثت في البيت أو الشارع أو العمل، تصل بها إشارة إلى المخ في لمح البصر فيستجيب لها فورا بزيادة ضربات القلب واحمرار الوجه (أو اصفراره) واضطراب في التنفس، حتى قبل الرجوع إلى الذاكرة، وبمجرد أن تحاط الذاكرة علما، يجد الإنسان نفسه بين خيارين: إما أن "الموضوع بسيط ولا يستحق الرد"، أو أن "الموضوع كبير ولا يمكن السكوت عليه".. فكيف تسير الأحداث في أحد الاتجاهين؟

هيأ سبحانه وتعالى في مخ الإنسان مراكز تتوهج عند الغضب أبرزها: اللوزة (amygdala) وجزء من تحت المهاد (hypothalamus) والصفيحة الجانبية (lateral septum)، ولهذه المراكز أحوال غريبة، ففي بحث أجري في جامعة تكساس، تبين أن بعضها يعمل فقط والإنسان واقف ولا تعمل وهو جالس، وهي أكثر حساسية عند مستخدمي اليد اليسرى كما ذكرنا، وتنشط عند الجميع بسبب الإرهاق وقلة النوم والقلق.

"مسك" الأعصاب معناه إحباط عمل هذه المناطق في المخ، ويقول العلماء إن ذلك ممكن بعدة خطوات ينصحون بها فور حدوث مشكلة.

بداية، يفضل إن أمكن أن تجلس الأطراف المتنازعة، فالجلوس يهدئ مناطق الغاضب في المخ كما ذكرنا، ومن المهم أيضا الارتخاء وفك بعض أزرار الملابس الخانقة وأخذ نفس عميق أكثر من مرة، وإعطاء مهلة للعقل بالعد من 1-10، ثم يسأل الإنسان نفسه: هل كان من الممكن تحاشي هذه المشكلة؟ وبما أنها حدثت، كيف يمكن منعها من التطور؟ فقد أكدت أبحاث أنه بمجرد توقع المشكلة يمكن حلها بنسبة 50%.

ومن أبرز العوامل التي تؤثر في ردود أفعالنا؛ سلوك الطرف المقابل ثم تاريخ المشكلة وكيف انتهى مثلها من قبل (أي الخبرة)، وينصح أيضا بالصبر والتحسب في الكلمات، فقد أثبت باحث أن مجرد استبدال كلمة "يجب" أثناء النقاش بـ"هل يمكن" يفكك 50% من المشكلة ويساعد في تبسيطها وإنهائها، ومن لم يتدرب على الصبر يكون انهياره أقرب ووقوعه في الخطأ أسرع، ومن المفيد أيضا أن يكون الشخص واقعيا ويخفض من سقف توقعاته.

 وبعكس ما هو مألوف، يرى العلماء ضرورة احترام المخطئ وعدم توبيخه (مؤقتا) حتى يعود إلى رشده، ومن المفيد كذلك طلب العون من الحاضرين ذوي الحكمة، وينصح بعدم التفتيش في الماضي فلا يمكن تغيير الماضي لكن من السهل تغيير الحاضر، كما أنه من غير المفيد إلقاء اللوم على النفس أو الآخرين، أو الزمن.. وثبت أن ممارسة الرياضة باستمرار تزيد من مادتي الإندورفين والسيروتونين المهدئتان لمناطق التوتر في المخ وتحصن صاحبها أمام المشاكل.

أما كيف تفلت الأعصاب فالأسباب كثيرة، فقد يواجه الإنسان مشكلة وهو مرهق ومتوتر أصلا من قلة النوم أو من مشكلة أخرى قبلها، وقد يكون الطرف الآخر مضطربا هو الآخر وتصرفاته صادمة ولديه سلوك اندفاعي عدواني ساخط على المجتمع، وتلويح طرف باستخدام القوة أثناء النقاش لا يساعد على الحل بل يعقده، ويجب وزن الكلمات كما ذكرنا، لأن بعضها قد يكون بمثابة صب الزيت على النار، وللمحيطين دور مهم في سير الأحداث فبدلا من التهدئة قد يقوم بعضهم بإشعال الفتنة.

يقول العلماء إن الهدوء والثبات أمام مشاكل الحياة يطيل العمر وفي حلها سعادة، ولأن القلب هو العضو المتصدر للمشاكل، فعند كل مشكلة يقابلها الشخص تنسد شعيرة دموية في جدار القلب، ومع كثرة التوترات وتراكمها تنسد أغلب شعيرات القلب ويصبح من السهل إصابته بأزمة كبرى قاتلة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط