الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أنا مسلم.. إذن أنا مسيحي


لحظة من فضلك يا "مولانا " لا تندهش، وتضرب "كف على كف" وتتهمني بالردة وتقيم عليا الحد "حد المرتد"! وأصبح أنا وأنت في خبر كان وأخواتها ، فلا يتصور عقلك أبعد مما سأوضحه لك فيما سيأتي.. ربما كان عنوان المقال غريبا ومثيرا إلى حد ما ، لكني لم أقصد الإثارة والتشويق بقدر ما قصدت به بيان حقيقة العلاقة بين المسلم والمسيحي بل وجوهر وروح تلك العلاقة المتجذرة في عمق العقائد السماوية ونسب الأنبياء والرسل " على الأقل من وجهة نظر العبد لله كاتب هذه السطور العفوية.

عندما أقول إنني مسلم ومسيحي في آن واحد فقد أصبت حقيقة إسلامي الذي يدعوني ويأمرني ربي في قرآنه بالإيمان بكل الرسل ، وبما أن المسيح عيسى ابن مريم نبي ورسول فمن البديهي أن أكون مسيحيا ، أي أنتمي للمسيح حبا وكرامة وتقديرا وإجلالا وتعظيما ، وعندما طالبني ربي أن أؤمن بكتبه ، فأنا آمنت بالقرآن وبالإنجيل وكل كتبه ، والإنجيل هو كتاب المسيح وتعاليم الرب الذي أرسلها إليه ، فهو أيضا ما كان ينطق عن الهوى بل هو وحي يوحى إليه من السماء العليا ، وبالتالي أنا مسلم ؛ ديني الإسلام وعقيدتي الإيمان بالرسل وبالكتب السماوية ، وعليه فإن علاقتي بالمسيحية علاقة وثيقة مصدرها القرآن والسنة المحمدية فمحمد لم يكن غير أخ لعيسى وموسى وباقي الأنبياء والرسل، وعليه فإن الإشكالية والعيب في كل متعصب ومتشدد من كل الأديان، وليس العيب في العقائد السماوية ولا ذنب لرسل السماء في هذا التناحر وذاك الكيد والغل في الظاهر والباطن، فكل الأديان من رب واحد وعبر سماء واحدة إلى بشر كلهم من آدم وآدم من تراب.

ولم تفسد تلك العلاقات وهي في الأصل علاقات آدمية إنسانية إلا عندما اختلطت السياسة بالدين أو الدين بالسياسة ، وهذا الخلط بنتائجه المعروفة ليس وليد مرحلة بعينها ، بل في كل مراحل التاريخ البشري ، فكلما تدخل الدين في الحياة العامة وطالب بإخضاع السياسة له اصطدم بحوائط صلبة لا تقبل صعود الإسلام السياسي إلى منصة القيادة ، لأن المجتمع متشعب ولا يقبل تيارا إسلاميا محضا يحكمه ويتحكم في مسارات حاضره ومستقبله ويكفي ما وصلنا من تاريخ عصور سلاطين الخلافة وما كان من آلاف القتلى في حروب المسلمين فيما بينهم واسأل كيف ولماذا ضاعت الاندلس وغير الأندلس ، لكن هيهات فمن حسبوا أنفسهم أوصياء على الإسلام، اعتبروها حربا مقدسة ، يسعون بكل قواهم لفرض سيطرتهم على الحكم وهز عروش الملوك والحكام، فهم يرونهم على ضلال وليسوا حكاما شرعيين ، ولهذه الغاية خرجوا من "الكهوف" ليصدروا للعالم الفكر المتعصب والمتطرف، من خلال مواجهات عنيفة ليس مع رجال الأمن فقط بل مع المجتمع كله، بالقتل والتصفية الجسدية والتفجير والإرهاب ، ولا يخفى على أحد ما حدث ومازال يحدث.

إن إسلامي بريء كل البراءة مما يفعله المتعصبون أهل العنف، الذين يريدون إقصاء الآخر بأي وسيلة كانت، فكلهم دواعش لا فرق ولا عجب ولا غرابة ، الفكر واحد والدرب واحد، منهجهم اجتزاز آيات "الحاكمية والخلافة والقتال والجهاد " وغيرها من آيات تخدم فكرهم المتعصب الأعمى ، وكلها آيات ليست قطعية الدلالة ، والعبرة فيها ليس بعموم اللفظ بل بخصوص السبب.

أما جوهر كل العقائد فجميعها تخاطب الروح والعقل معا فلا روح صافية تقبل إلا السلام مع النفس ومع الآخرين بمشاعر المحبة والألفة والوئام، ولا عقل صحيح يقبل غير منطق التفاهم والتعايش الإنساني ولا يقبل الظلم والقتل والإرهاب، وهذا ما أبتغيه واقصده عندما اقول أنا مسلم ومسيحي في آن واحد ، مسلم أشهد أن لا اله الا الله واشهد ان محمدا وعيسى وموسى رسل الله ، عليهم جميعا الصلاة والسلام ، فإذا كنت مسلما صحيح الإسلام وأعبد الله ولا اعبد سواه ، فلا اعادي المسيح والمسيحيين، كيف أعاديه وأنا مؤمن به كرسول مبعوث من الله، ومازال حيا في السماوات العلى، وكيف أعادي من ينتمون إليه ، الذين ناصروه وأيدوه ودافعوا عنه في كل المحن والابتلاءات التي مر بها هو وأمه مريم العذراء خير نساء العالمين ، وليس من شأني ولا شأن غيري إذا ظل كل إنسان على عقيدته ومذهبه طالما لم يؤذني ولم أؤذه في شيء ، فحسابنا جميعا على من خلقنا، فأنا لست سفيرا للنوايا الحسنة ولا مبعوثا أمميا لتقليل حدة الصراعات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، ولست موكلا من أي جهة لإبراز نقاط وأوجه التقارب بين العقيدتين، فأمر التقارب والإنسجام بديهي ، لكن البعض يصعب المفاهيم على نفسه وعلى الآخرين، ويؤلها أكثر مما تحتمل كي يثير لعاب من يكرهون ليس الآخرين فقط بل يكرهون أنفسهم أيضا ، هم أعداء الإنسانية الذين ينفخون في رماد الفتنة كلما هدأت ..

كفانا الله شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط