الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حجازي "الشواف"


كم فجعني أن أرى كاتبا بحجم عبد المعطي حجازي يستشرف لنا المستقبل ويفك لنا طلاسمه ليظهر كـ"جرامافون" عتيق يذيع أسطوانة مشروخة لا استشراف ولا رؤية بل ترديد لنغمات شاذة سقطت وسقط مروجوها في ثورة 30 يونيو .

رأيت وتابعت حجازي وبدا متناقضا سقط المنطق بين يديه فهو لم يزل لم يحقق حلمه في ثورة 25 يناير بل ويصف 30 يونيو بأنها تصحيح لمسار وليست استعادة لدولة كادت تضيع وكأن إسقاط الدولة هو هدف 25 يناير الحقيقي المنتظر.

رأيته مشوشا يتحدث عن دور مصر الخارجي ويصر على تعريفه بأنه ليست تلك الزيارات الخارجية المكوكية التي يخوضها الرئيس السيسي بحثا لمصر عن موطئ قدم في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء فعن أي تحرك خارجي يتحدث حجازي هل هو في وجهة نظره وصول جيوشنا إلى أراضي جديدة مثلا أم إقامة امبراطوريات كبريطانيا العظمى أم ماذا؟ المهم أنه تحرك آخر غير الذي يراه من السيسي .

رأيته ينكر الوطنية كما فعل تنظيم الإخوان وأن النهضة المصرية لم تتحقق إلا على يد غير أبنائها كمحمد على ذي الأصول الألبانية أو الخديوي إسماعيل الذي كان يستشير الإنجليز قبل أن يفتح نافذة قصره ،وكأن المصريين في عهده لم يعرفوا فقرا أو جهلا ولا مرضا أو استعبادا وان النهضة توقفت بقيام ثورة 52 والغريب أنه هو العام الذي عاد فيه حكم مصر إلى أيدي أبنائها كهذا تعطلت نهضة مصر في رأيه!!.

العجيب أن حجازي يردد العبارة الشهيرة "أن الـ60 عاما الماضية هي المسئولة عما نحن فيه اليوم" ولا أعرف كيف يكون مفكرا وكاشفا وملهما وهو يردد كلمات صدرت على لسان أعدائنا فهي الجملة المعادلة موضوعيا لجملة "يسقط يسقط حكم العسكر" فأين الرؤية وأين التشخيص وهو يسمي دورنا في اليمن خطيئة رغم أنه يدعو اليوم لدور مصر الخارجي كما سمي هزيمة يونيو جريمة وليست بلطجة دولية ضد نظام وطني مستقل حاول أن يبني نفسه .

ومن المفارقات أن عبد المعطي حجازي يدعو إلى ضرورة أن نصارح أنفسنا بما نحن فيه حتى نغيره وكأنه لا يسمع القيادة السياسية وهي تواجه المصريين ليل نهار بالتحديات وتشارك الناس مسئولية مواجهتها.

الأعجب أنه يري أن الرئيس السيسي يبذل جهودا ضخمة لكن يا خسارة "مش نافعة" ويراها بلا تأثير وأن المؤسسات غائبة كما يحمِّل الرئيس مسئولية غياب معارضة قوية ومؤثرة ويبدو أنه نسي في الفاصل الإعلاني ما ردده سابقا من أن الستين عاما الماضية هي المسئولة عن ذلك وأن الرئيس السيسي الذي يراه يبذل جهودا ضخمة هو نتاج لهذه السنوات الستين ولا أعرف كيف يكون الرئيس مسئولا عن تفاهة أحزاب كارتونية؟!.. يعني يا أستاذ حجازي بالمختصر كده هل مطلوب من السيسي أن يصنع نظامه ومعارضته لكي تبقى وجبة متكاملة يعني بلغة خبراء التغذية .

وكشف لنا أستاذ حجازي معيارا لقياس الحريات لم تسبقه إلينا أمة حيث استطاع حجازي أن يحدد وبدقة أن مصر تتمتع بـ 30% فقط حرية ولا أدري هل ذلك على مقياس "الحرية ميتر" أم أن المسألة هكذا "طق حنك" بلا أرقام أو قرائن أو حتى شبهات.

ولأن عبد المعطي لايرى عظمة المصريين إلا في خروجهم في 25 يناير عاد ليتهمهم في اختيارهم مجلس نواب انتخبوه بصندوق نزيه لم يره أيضا حجازي بالتبعية وهذا منطقي فمن الصعب علي حجازي أن يقبل مجلس نواب ذا أجندة وطنية تدرك مخاطر المرحلة فمجلس النواب الذي يعترف به حجازي هو ذلك المتصادم مع السلطة هو ذلك الكيان الذي يعرقل السلطة التنفيذية ويشعر بالديمقراطية كشارب خمر لا يشعر بلذتها إلا عند توقف عقله عن الإدراك ساعتها يكون الشعب المصري في نظر حجازي عظيما ومجلس نوابه قديرا وساعتها فقط سيكون فخورا به ممثلا له .

ولأن المنطق بلغ مداه على لسان عبد المعطي حجازي أمس قرر أنه لا يمكن أن نواجه الإرهاب بتضييق مساحة الحرية الجاري اليوم ولا أعرف إن كان جادا في ما يقول أم لا فإن حريته بمفهومها الفوضوي من إنكار الدين وتهميشه والصراع على هوية مصر كانت هي المغذي الرئيسي لجماعات حملت السلاح وساعدها متعاطفون سذج لمقاومة مساحة الحرية المنشودة لدى حجازي والتي يسميها البعض كفرا يجب أن يحارب فعن أي حرية يريد توسيعها.

واستمر حجازي في بلاغته حيث يرى أن الرئيس السيسي يعمل بلا خطة فهو يرى مشروعا هنا أو هناك فقط ولا أعرف كيف يرى الصورة كاملة وكيف يتجاهل ملء الفضاءات المهجورة التي يعيد إليها مصر الرئيس السيسي اليوم .. الجواب لأن حجازي لا يعترف بالدولة القائمة فمازالت معركته مع دولة يوليو قائمة ولم يخجل حين بالغ في تجريحها والاجتراء عليها حين قال إن الدولة لم تكن صادقة في وفائها لمحمد نجيب حين أطلقت اسمه على أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط.

لأن "نجيب" في نظره هو ذلك الذي دعا الجيش إلى العودة لثكناته بعد ثورة يوليو وأن السيسي هو رئيس الضرورة وليس الرئيس المنتخب انتخابا نزيها بل هو كرجل إطفاء يستدعي حين اندلاع حريق فقط وأن نجاحه الحقيقي و وفاءه الحقيقي أن يحقق رغبة محمد نجيب ويسلم السلطة لبديل مدني يقر عبد المعطي حجازي نفسه أنه غير موجود .. بصراحة كل تصريحاته كانت "ميكس" كل حاجة والعكس .

والذي زاد الطين بلة هو انبهاره بالتجربة التركية تجربة البهلول القابع في اسطنبول الذي عزل الآلاف من معارضيه واعتقل الآلاف مثلهم وأغلق الصحف وأسكت القنوات فهل يدعو الرئيس السيسي إلى ديمقراطية مثيلة أم ماذا؟

حجازي يحارب عدوين اثنين الأول الدولة التي يرأسها عسكري سابق ، والعدو الآخر هي الدولة الدينية التي لم تكن أيضا موجودة حتى في عهد كان رأس السلطة فيه تنظيم الإخوان الإرهابي ..إننا لم نثر يا أستاذ عبد المعطي حجازي في 25 يناير و30 يونيو ضد الجيش أو ضد الدين بل انتفضنا ضد الدولة الفاشلة التي تشتاق إليها في تحليلك وتتطلع إليها في رؤيتك .

كم كنت أتمنى أن يكون عبد المعطي حجازي أول الشجعان ويصب وبصراحة لعناته على الرئيس السيسي ودولة يوليو التي جاءت به وأن يكون أكثر وضوحا في إظهار انتظاره جولة جديدة من إكمال هدم دولة ثورة يوليو 52 دولة الاستقلال الوطني بكل أخطائها وصوابها.

كم كنت أتمنى أن تكون أكثر شجاعة وأن تعلن بوضوح أنك تريد دولة لا يحميها دين أو متدينون ولا ضباط يقدمون الأرواح كل يوم لتحيا يا حجازي آمنا لتطعن فيهم ..وفي النهاية يا سيد عبد المعطي لن أكره الجيش لأن حلمك في إبعاده لم يتحقق ولن أكره الدين لأن الإخوان ادعوا كذبا يوما أنهم يحملون لواءه والكلمة الأخيرة للمصريين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط