الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحظ .. أنواعه وتضارب الآراء حوله


الحظ في المفهوم الشعبي العام هو كسب أو خسارة غير متوقعة بصرف النظر عن الجهد، وقد وردت كلمة حظ في القرآن الكريم مرات قليلة بمعنى الجنة أو النصيب الوافر من الخير: "وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" (فصلت 35)، وفي المواريث "للذكر مثل حظ الانثيين" (النساء 11)، وطوعت المعاجم العربية معنى كلمة حظ ليشمل مطلق النصيب خيره وشره، ثم تحول الحظ إلى هاجس يؤرق الكثير من البشر رغم تضارب الآراء حول معناه وأصله وتأثيره.. وقسم العلماء الحظ إلى خمسة أو ستة أنواع:

1- حظ مقترن بظروف الولادة لا يمكن التحكم فيه، كمسقط الرأس والمستوى المعيشي للأسرة، فقد يولد طفل ليكون وليا للعهد، ويولد آخر ويلقى به حيا بين النفايات، وتغيير هذا الحظ يحتاج إلى نوع آخر من الحظ يسمى "حظ الفرصة"، الذي أوصل راعية غنم مغربية إلى وزيرة في الحكومة الفرنسية.

2- حظ مرتبط بالبيئة: كالثروات والكوارث الطبيعية، والوباء وتفجيرات الإرهاب، ويصعب التحكم فيه.

3- حظ مبني على الغباء والكسل وهذا مؤكد، لكن عكسه وهو الحظ المبني على الذكاء والعمل الشاق غير مؤكد، فأكثر المشتكين من سوء الحظ يقولون أنهم بذلوا أقصى جهد.

4- حظ مبني على الاحتمالات: كالنجاة من الموت بأعجوبة والعثور على كنز، وفي ألألعاب مثل لعبة الطاولة حيث يلقي اللاعب بزهرين وينتظر رقمين من 1-6 على وجهين. فإذا كانت الأرقام 6 والأوجه 12، فاحتمال الحصول على مزدوج (دوش أو دبش) هو 1 من 36، والأمل في الحصول على رقم مفرد بعينه هو 11 من 36، وهكذا في الألعاب الأخرى كالدومينو والكوتشينة واليانصيب.. كلها عمليات رياضية صرفة.. ويستفاد من الاحتمالات أيضا في حل بعض المشاكل، مثلما يلقي الحكم بقطعة نقود لأعلى عند بدء المباراة ليحدد الفريق الذي يمسك الكرة أولا، والكل يقبل "برأي الحظ".

5- حظ من تأثير الأبراج، ويقول المختصون فيه إن طبائع الإنسان ومزاجه يتأثران بحركة الكواكب والنجوم مثلما تؤثر جاذبية القمر على البحار والمحيطات (المد والجزر) وتؤثر الشمس على نمو المزروعات وعظام الإنسان، ودليلهم أن لمواليد كل برج من الأبراج الاثني عشر صفات مختلفة عن بعضها، ونصحوا بتوافق أبراج معينة عند الزواج وحذروا من تنافر أخرى، وهذا صحيح.

اختلاف الآراء حول الحظ: لا تعترف الديانات السماوية بالحظ وتنسب كل شىء إلى إرادة الله، كذلك البوذية وعدد من الفلاسفة، لكن الهندوسية تعترف به وتقيم له عيدا سنويا، ولبعض المجتمعات طقوس غريبة لجلب الحظ كتجريح الجسم وتعليق التمائم، أو البحث عنه في الكف والفنجان.

يقول بعض الرافضين للحظ إن كل ما يحدث للإنسان من قضاء الله، لكن الفيلسوف ابن رشد اعترض على هذا التعميم وقال: " لو كان الإنسان مجبرا وكل أفعاله من خلق الله، فلماذا الحساب ؟"، أي أن الإنسان حتما مسئول عن بعض أو معظم أعماله وبالتالي بعض من حظه، وأنكر الفيلسوف الفرنسي سارتر وجود الحظ وقال "الإيمان بالحظ هو نوع من الهروب من المسئولية"، واتفق معه المفكر المصري إبراهيم الفقي بالقول أن الإنسان هو من يقرر حظه، وكلما عملت أكثر كان حظك أوفر، والعاجز يختلق الأعذار، والمجرم الذي قتل ونهب واغتصب يبرر حظه من وراء القضبان بأنه ضحية الظروف.

ويرى آخرون أن الحظ حقيقة لا تقبل الشك.. يقول المعري "لا تطلبن بغير حظ رتبة..."، ويرى الأديب مصطفى صادق الرافعي "أن الدنيا تقبل وتدبر على بعض الناس فعلا"، ويتفق معهم كاتب المقال ويتساءل: كيف يمكن إنكار الحظ ومعظم أشكاله خارج إرادتنا ؟.. أما الإمام الغزالي فقد حسم الأمر بقوله "أن الإنسان مخير فيما يعلم ومسير فيما لا يعلم"، بمعنى أن نصف الحظ (تقريبا) من أعمالنا والنصف الآخر من عند الله .

النحس: هو نزول الحظ السيء على شخص بعينه بصورة متكررة، وقد وردت كلمة نحس في سورة القمر "في يوم نحس مستمر" (19) أي يوم شؤم، ويقال سنة نحس أي مجدبة وقاحلة، ونظرا لتكرار المصائب على أشخاص بعينهم، ترسخت فكرة النحس في الأذهان وقيلت فيه حكم وأمثال كثيرة، منها قول شكسبير "إن المصائب لا تأتي فرادى"، والمثل الشائع "سبع صنايع والبخت ضايع"، وتنتشر قصص كثيرة حقيقية عن أشخاص منحوسين منهم المواطن البريطاني سمرفورد الذي ضربته ثلاث صواعق كانت تصيبه في كل مرة بشلل حتى أوصلته إلى شلل رباعي، وبعد موته ودفنه، جاءت صاعقة رابعة ونسفت قبره !، وامرأة بريطانية مات ثلاثة من خطابها في حوادث، وقبل زفافها على الرابع بيوم واحد، احترقت الكنيسة التي كان سيقام فيها حفل الزفاف !.

وفي الختام أقول "يمكن للحظ أن يصنع إنسانا غنيا، لكن من المستحيل أن يصنع إنسانا حكيما"..

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط