الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الديمقراطية والحرية أهمّ من الاستقلال


جلبت لنا ثورات ما يسمى "الربيع العربي" حالة من زيادة النزعة الشوفينية والقوموية والمذهبية أكثر بكثير عمّا قامت عليه من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية التي نحن بأمس الحاجة لها من المصطلحات الأخرى التي لا تجلب لنا سوى الكوارث وزيادة في القتل والدمار. إنها حالة فقدان العقل والمنطق كاسلوب فلسفي ومنهجي في الحياة التي ما هي إلا عبارة ظاهرة فلسفية دائمة لا يمكن العيش من دونها بتاتًا.

الفلسفة هي أمّ العلوم الإنسانية والمجتمعية وهي أساس تطور الإنسان كظاهرة مجتمعية منذ القِدم وحتى الآن، ولا يمكن العيش من دون فلسفة مطلقًا، لأنها العامل الهام في تطور الفكر والعقل البشري وأساس الاختراعات والاكتشافات، وأساس الفلسفة يكمن في طرح الأسئلة يشكل مستمر والتشكيك بكل شيء من أجل الوصول إلى الحقيقة، ومنه انطلق العقل البشري في معرفة ما حوله من المجهول ليدرك غاية الحياة بحد ذاتها، وذلك انطلاقًا من ذاته.

وأي مجتمع تنقطع عنه أس الحياة والتفكير المنطقي أي الابتعاد عن الفلسفة، حينها يمكننا وصف هذا المجتمع بالمجتمع النمطي الذي لا حول له ولا قوة، لأنه سيوقف العقل والإدراك عن العمل وسيضع القدرية محلها وسيصبح مع مرور الوقت عبارة عن روبوت يُنفذ ما يُطلب منه وفق البرمجة العقلية التي يتم حقنه بها من خلال العادات والتقاليد المجتمعية البالية باعتبارها أساس الحياة ومبتغاها.

وهنا تكون الطامة الكبرى، حيث يتقبل هذا الإنسان كل ما هو موجود على أنه الحقيقة ولا يمكن التفكير بغير ذلك. وأن أي تفكير بغير ذلك يعتبر من الذنوب التي يقترفها الإنسان وتكون عاقبته إقامة الحد، هذا طبعًا بعد إضفاء حالة القداسة على تلك المصطلحات واعتبارها من المسلمات والبديهيات لتطور النوع البشري. ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تمامًا.

العلوم الوضعية التي يتم تلقيننا بها على أنها الحقيقة بكل ما تعنيه الكلمة تعتبر السبب الرئيس في الحالة التي نعيشها من تردٍ وغباء وتكرار الذات كروبوت ينتظر من يولفه كي يعمل ضمن الحدود المرسومة له. جعل المجتمع بعيدًا عن أن ينظم ذاته يعتبر أول خيانة بحق الإنسان في تطوير الدفاع الذاتي عن نفسه. لأن السلطة سرقت من الإنسان هذه الخاصية وجعلتها من ملكياتها الخاصة التي لا يمكن لأحد الاقتراب منها لأن السلطة والدولة فقط وفقط هي من ستحمي المجتمع من أي هجمات خارجية.

ويتم إقناع الإنسان بذلك باستخدام جميع الوسائل والطرق حتى يُصدق أنه بالفعل أن من وظائف الدولة هي حماية أفرادها، لكن الحقيقة ليست كذلك حينما نرى ما نعيشه من حالة من فقدان الأمن والحروب والتهجير والقتل والسجون التي تعج بها مدننا، بل تعمل على إسكات المواطن عبر الديماغوجيا والبروبغاندا الاعلامية التي تعتبر من الوسائل المحتكرة من قبل الدولة فقط.

أحد أكبر مصطلحين تم خداع الشعوب بهما في بداية القرن العشرين والواحد والعشرون هما "الثورة العربية الكبرى" و"ثورات الربيع العربي"، ففي بدايات القرن العشرين تم تحريض العرب على العثمانيين من قبل الامبراطورية التي لا تغيب الشمس عنها أي بريطانيا، وذلك تحت مسمى الثورة العربية الكبرى للتخلص من الظلم العثماني والمجيء بدلًا عنه الاستبداد البريطاني ولكن بأسلوب آخر.

وكلنا يعلم أن الامبراطورية العثمانية كانت بمثابة الغيمة السوداء في تاريخ المنطقة، ولم تعطنا سوى الظلم والقهر وتغييب العقل، ولكن الوثوق بمستعمر جديد لطرد المستعمر القديم يُعتبر قمة البلاهة التي يمكن توصيفها للحالة التي تمت معايشتها في بدايات القرن العشرين، وبنفس الشكل تم خداع الشعوب بمصطلح الاستقلال وإلصاق صفة القداسة عليه وتزيينه ببعض الآيات الدينية التي تحرض الإنسان على التضحية بذاته من أجل مصطلح تمت صناعته بأيدٍ غربية.

نفس الحالة نعيشها الآن ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين ومن نفس الجهة ونفس الاتهام ونفس الأدوات أيضًا. يتم تحريض الشعوب على الثورة تحت مسمى "الربيع العربي" للتخلص من استبداد حكام هم من صنعهم لجلب شخوص أكثر استبدادًا تحت نفس المصطلح المقس وهو "الاستقلال"، الذي تم استخدامه في القرن المنصرم.

هل تعي الشعوب أن الحرية والكرامة التي هي حقيقة مجتمعية تاريخية وغير مصطنعة هي التي نحتاجه كالماء والهواء أكثر من احتياجنا للاستقلال المزيف الذي يتم خداعنا به ليلًا نهارًا. بالكرامة والحرية والديمقراطية يعيش الإنسان أفضل فترات حيواته ويشعر بالآخر على أنه لولاه لما كان هو موجود أيضًا، بعكس الاستقلال القوموي الشوفيني المذهبي الذي لا يعترف إلا بذاته منفصلًا عن الآخر وهو المرض الذي نعيشه الآن.

الفلسفة التي ننشدها هي فلسفة الحياة الندية المشتركة بين جميع شعوب المنطقة، وأنه يجب القبول بحقيقة أن المنطقة التي نعيشها ليست فقط عبارة عن عدة دول، بل التعبير الحقيقي لها هي أن المنطقة التي نعيشها هي عبارة عن عدة ثقافات متداخلة مع بعضها البعض ولا يمكن فصلها بتاتًا.

أخوة الشعوب والتعايش المشترك هما الشيفرة التي من خلالهما يمكننا العيش بكرامة وحرية بعيدًا عن التعصب القوموي الشوفيني ومصطلح الدولة المقدسة التي أصبحت وباءً يجب القضاء عليه مثلما تم القضاء على الطاعون.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط