الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

غموض اللغة وغموض الفكر


#هل يؤدى غموض الفكر إلى غموض اللُّغة المُسْتخدَمة فى التعبير عنه؟

وهل ثمة علاقة بين ثراء اللُّغة وعُمْق التفكير؟

إن العلاقة بين اللُّغة والفكر علاقة جوهريَّة ذات تأثير مُتبادَل؛ فاللُّغة تصوغ الفكر، والفكر يصوغ اللُّغة؛ ومن هنا يكون العقل فى حركة دائمة من التفكير؛ فالتفكير يتألَّف من عناصر لغويَّة، ومن ناحية أخرى فإن العقل البشرىَّ يكتسب الإدراكات الأوَّليَّة عن طريق اللُّغة التى يتلقَّاها منذ السنوات الأولى فى حياة الإنسان.

وكُلَّما كانت الأفكـار ناضجة فى الذهن واضحة المَعالم كان التعبير عنهـا واضحًا، وإذا كانت الأفكار فى مَهْدِها لم تنضج بَعْد انعكس ذلك على التعبير عنها بالكلمـات، حيـث يأتـى التعبيـر عنهـا هُلاميـًّا غيـر واضـح المعالـم. يقول الروائىُّ والكاتب السياسىُّ الشهير "جورج أورويل" George Orwell مُعبِّرًا عن إيمانه بالعلاقة المُتبادَلَة بين اللُّغة والفكر: " إذا أفسد الفكرُ اللُّغةَ، فاللُّغة أيضًا يمكنها أن تفسد الفكر". ويقول الصحفى الأمريكى "نيكولاس ويد" Nicholas Wade: "ما لا يستطيع المرءُ التعبيرَ عنه بالكلمات يَصْعُب عليه التفكير فيه".

إنَّ اللُّغة هى المعانى التى تولَّدت فى أغوار الذهن، وهذا يعنى أن اللُّغة تعكس الفكر تمامًا، فغموضها ليس عَيْبًا فى الألفاظ، وإنما هو غموض فى الفكر نفسه. ولا شكَّ أن التفكير العميق يستلزم ثراءً لغويًّا وعُمْقًا فى فهم دلالات وإيحاءات الكلمات المُكوِّنة للبناء اللغوى، فاللُّغة تلعب دورًا كبيرًا فى تكوين المفاهيم وفى العمليات العقليَّة؛ لذا كانت ضرورة تنمية الثروة اللغويَّة؛ فتقديم خبرات لفظيَّة ذات معنى ـ يُسْهِم فى تطوير البناء المعرفىِّ، ويُسْهم فى تطوير خبرات جديدة، وزيادة مفاهيم جديدة يُضيفها الإنسان إلى مخزونه، ومن ثم يسهم كل هذا فى تحسين استراتيجيات التفكير.

إن الخبرات اللفظيَّة ذات المعنى تُشكِّل أبنية معرفية، ولذلك تَسْهُل عمليَّة الاحتفاظ بها واسترجاعها، وهى فى الوقت نفسه وحدات التفكير التى تمَّ تخزينها فى البناء المعرفىِّ للفرد؛ حيث إنه بزيادتها تزداد قدرة الفرد على مُعالجة الخِبْرات والقضايا والمواقف الجديدة التى يواجهها.

نَتبيَّن من ذلك أن الشخص الذى يكون مخزونه اللغوى محدودًا يكون تفكيره بالمثل محدودًا، والشخص الذى يكون مخزونه اللغوى غير واضح وغير سليم، يكون تفكيره مُـماثلًا فى الغموض والتشويش، والشخص الذى لا يُفرِّق بين طبيعة المعانى يكون تفكيره مُـماثلًا فى التعميم واللَّبْس؛ مما قد يؤدِّى إلى نتائج سلبيَّة، وهكذا تؤثِّر اللُّغة فى تكوين الفكر. الفكر ـ إذَن ـ يصوغ اللُّغة، ويَعْمَل على تركيب العناصر اللغويَّة؛ حتى يَخْرُج التعبير قويًّا ومؤثِّرًا، وعن طريق اللُّغة يمكن للفرد توصيل ما يريد للآخَرين.

فاللُّغة الرديئة تعنى تفكيرًا مُضطربًا مُشوَّشًا. والتفكير القاصر يعنى لغةً رديئة وتعبيرًا ضعيفًا. واللُّغة هى إحدى وسائل التعبير عن مُكوِّنات العقل البشرىِّ، والتفكير يتطلَّب رموزًا تحمل المعنى الذى يريده الإنسان، والكلمات هى خير ما يُرْمَز به إلى المعانى، وخير وسيلة لتوصيل المعانى إلى الآخرين، فاللُّغة ـ إذن ـ هى القالب الذى يصب فيه التفكير، وكلما ضاق هذا القالب واضطربت أوضاعه ضاق الفكر واختلَّ إنتاجه؛ ومن هنا فإن اللُّغة تُعتبَر من أهم مُقوِّمات المجتمع وعوامل وحدته ونموه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط