الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الكرد و"لعنة بابل"


حدث ما كنا نخشاه وأن الأيام القادمة ستكون حبلى بالتطورات والتوجه نحو المجهول بالنسبة لشعوب المنطقة الشرق أوسطية، وكأنه قدرٌ كُتب عليهم بأن ما أن يخرجوا من معركة حتى يدخلوا في أخرى، إن كانت بإرادتهم أم كانوا مجبرين عليها ومفروضة على الجميع. العراق وسوريا اللذين كانا مهد الحضارة الانسانية والحضارة الميزوبوتامية يئن الآن وكأنه يستغيث بأبنائه أن يتركوه وشأنه يعيش ما تبقى من عمره. 

السومريون سكان العراق وسوريا الأوائل الذين علموا البشرية كيفية بناء المدن والتجارة والري والزراعة والعلوم الفلك والتنجيم والرياضيات وأنهم أول من اخترع الكتابة المسمارية والتي كانت الثورة الأولى نحو بناء الإمبراطوريات عبر التاريخ. هاهم أحفادهم يتسولون على أبواب القوى الرأسمالية الناهبة لجهد الانسان علَّهم يحصلون على كسرة خبز من ما تبقى على موائد الجشع والنهب للقوى الغربية. إنها التراجيديا بحد ذاتها نعيشها اليوم بكل تفاصيلها وتقدم القرابين إرضاءًا للآلهة. إنها "لعنة بابل" الملحمة التراجيدية الأولى التي اخبرتنا يومًا ما بأن العراق وسوريا لن يعيشا الرفاهية والكرامة بعدما غضبت منهم آلهة.

صراع الآلهة بين "إنانا" آلهة الحب و "آنكي" إله السلطة الذكورية والاستبداد والجشع على أرض العراق واللذين كانا يمثلان بنفس الوقت الصراع بين المجتمع المتعايش وبين السلطة التي لا همَّ لها سوى السلطة والنهب وليذهب المجتمع للجحيم. تستمر "لعنة بابل" بكل فصولها التراجيدية منذ آلاف السنين وحتى راهننا وكأننا نعيش التاريخ بلحظته وأننا لم نتخلص من هذه اللعنة حتى تعود الحقوق لأصحابها الحقيقيين.

الاستفتاء على انفصال اقليم كردستان العراق كانت له نتيجتان مهمتان والأولى هي أن الكرد عقدوا أمرهم على الانفصال بنسبة كبيرة وأنهم فضلوا على العيش بعيدًا عن ما يعيشه العراق من فوضى مذهبية وطائفية، والثانية هي رد الفعل من قبل بغداد والدول المجاورة للعراق وخاصة ايران وتركيا وما تلوحان به من عقوبات جماعية ولعنة ستحل على الكرد لمجرد أنهم أبدووا رأيهم المخالف لقوى الهيمنة المركزية. 

علينا هنا أن نؤكد أنه وبالرغم من حق الكرد في تقرير مصيرهم إلا أنَّه وبالنظر للحقائق التاريخية أنه لا يمكن فصل التاريخ المشترك لهذين الشعبين وكذلك الثقافة المشتركة رغبة في تحقيق غايات هذا الطرف أو ذاك. فلا الفوضى المنتشرة بالعراق وإنكار حق الكرد بهذا الشكل سيجلب السلام والرفاهية ولا إعلان الانفصال وتشكيل الدولة الجديدة على انقاض القديمة سيجلب السلام للطرف الآخر. إذ إنه لا يمكن لمكونات وشعوب المنطقة من كرد وعرب وأرمن وسريان وتركمان أن تعيش منفصلة عن بعضها البعض بأي شكل من الأشكال، لأنه بذلك سوف نصل لمرحلة الفوضى بكل ما تعنيه الكلمة وهنا لن يكون أحد من هذه الشعوب مستفيدًا بقدر ما أنه سيكون آلة ومطية بيد هذه أو تلك من القوى الناهبة الرأسمالية التي لا تبحث عن الاستقرار بقدر نبشها عن الفوضى وفق سياسة "فرق تسد".

الحكمة والمنطق يجب أن يتحكمان بالغرائز العاطفية وأن لا يمكن تغليب إحداها على الأخرى وإلا لوصلنا لحالة من التناحر والاقتتال وأن كافة الشعوب ستحفر قبرها بيدها وستعزف الشعوب بأيديها مستمرة على النحيب واللطم والبكاء لموسيقى ملحمة "لعنة بابل".

الدستور والحدود السياسية والقانون الدولي وحق تقرير المصير والكثير من المصطلحات يتم التلاعب بهم على الشعوب وفق مصالح القوى الناهبة الدولية التي أعطت لنفسها شرعنة ما تراه مناسبًا لمصالحها هي ولتذهب الشعوب إلى الجحيم. تغيير الخطاب يعتبر من المهام الرئيسة بالنسبة للأخوة العرب وأنه وسم كردستان على أنها "اسرائيل ثانية" ما هو إلا غباء يُراد منه إشعال الفتنة بين الكرد والعرب، لتستمر المذبحة ولتتحول المنطقة إلى مقبرة للجميع. شيطنة وأبلسة الكرد ليس من مصلحة العرب أبدًا خاصة أن التاريخ يشهد للكرد بأنهم هم أول وآخر من حرر القدس وحتى الآن يتمنى الأخوة العرب بظهور الأيوبي المنتظر لتحرير القدس ثانية. وعلى الجميع التخلص من عقلية التخوين وأنه من لم يكن معي فهو ضدي. 

هذه الحدود لم يختارها أحد وإنما فُرضت على الجميع وأنه يجب أن نعلم أن العرب محتاجون للكرد والكرد محتاجون للعرب وكذلك لباقي المكونات والشعوب، بسبب الثقافة المتداخلة والتاريخ المشترك والمصير المشترك. ولا يمكن لأي كان أن يشيطن الكرد أو العرب فهما توأمان فُرِضَ عليهما التقاتل. لهذا يجب أن تكون الحكمة والتعقل هما السائدتان وليس عقلية الخوين والاستعلاء. فهل من متعظ قبل فوات الأوان.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط