الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المبشرات


قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "لم يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلا الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ ".

وَرُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ، أَوْ تُرَى لَهُ».

وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». ومعناها أنها كالنبوة في الحكم بالصحة. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ، وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ، الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ».

والرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَالرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ: رُؤْيَا بُشْرَى مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَرُؤْيَا مِنْ تَحْزِينِ الشَّيْطَانِ، ومكائده لبني آدم فتكون بحكم النجوى التي قال الله عز وجل عنها إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ، وَلْيَقُمْ وَلْيُصَلِّ، فاذا تلاعب بك الشيطان ورأيت ما لا معني له من أحداث قد تكون مخيفة وقد تكون مرتبطة بالحياة بطرق متعددة ولكنها تحمل رائحة الشيطان في المكر والخبث فلا تبتأس ولا تهتم لرؤياه وأدعو الله أن ينجيك ويحفظك بالستر.

أما إذا عبرت للرؤيا الصالحة وكانت مبشرة بالخير تحمل لك علامات مرشدة بما هو مقبول للنفس وتسعد له الروح فاحذر أن تقصها على حاقد أو أسود القلب الذي ربما لا يحمل لك من الخير شيئًا فيغتاظ منك وينفث بالشر فتصاب بالعين أو الحسد أو الغل.. وتذكر قول يعقوب عليه السلام ليوسف عندما قَص عليه رؤياه قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يُوسُف: 5].

ومن أشهر ما قيل في تفسير الرؤيا أن القيد ثبات في الدين فإذا رأيت نفسك مقيدًا في مسجد أو أحد السبل فهذه علامة للثبات في الدين ولكنها لا يصلح تفسيرها في العموم بهذا التفسير فلكل منا علامات ترتبط بحياته وتجاربه وعلاقاته بين البشر فالجامع أو المسجد قد يفسر بأنه رمز للدين ولعلاقة المرء بربه ولكنه في بعض الأحيان يفسر تفسير حرفي بأنه مكان يجمع الناس ويتصل به المرء بغيره من البشر قد ينطبق هذا التفسير علي مكان العمل وليس على علاقة المرء بدينه أو ربه، وقد يرى المرء نفسه وسط جمع من البشر ومعهم إمام يؤمهم للصلاة فيفسر حسب الانسان الذي رأي تلك الرؤيا، أحيانا تعني الصِّلة كصلة الأرحام أو الصِّلة بين الناس في العمل أو في مجال واحد كصلة الزمالة.. وأحيانا أُخرى ترمز للعبادات وبعد أو قرب الرائي للرؤية عن دينه.

وقد يفسر الغُل بالكفر استنادا لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [الْمَائِدَة: 64]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا} [يس: 8]، وَقَدْ يَكُونُ بُخْلا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الْإِسْرَاء: 29]، وَقَدْ يَكُونُ كَفًّا عَنِ الْمَعَاصِي بأن يكون قد غُل عن الشر وكل ما يضر .

وتعبير الرؤيا يتغير بالزيادة والنقصان لذلك فإن سرد الرؤيا كاملة بكل ما تحوي من تفاصيل يفيد العابر اليها في الوصول إلي معناها... دون أن يُخْطِئ، وقيل في التفسير أن السحاب حكمة ولكنه قد يكون في الرؤيا بمعني الظُلة وقد يحمل الخير إذا كان صافيًا وقد يحمل الرزق إذا كان ممطرًا وقد يحمل المخاوف والصعاب إذا كان به سواد ومصاحب بالرعد والبرق.

وقد تحمل عبارات الرؤيا معانٍ تترجم من آيات القرآن بتأويل مغاير لما يتم تأويله إذا استخدمت الرموز والعلامات بمعانيها وربطها بالأحداث الحياتية لمن رأي تلك الرؤية. ومن أشهر ما يتم تأويله استخدامًا للذكر الحكيم هو أَكْلُ اللَّحْمِ النِّيءِ فهو يُعَبَّرُ بِالْغَيْبَةِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} وقد يتم التأويل بالأسامي كأن يري المرء شخصًا في الرؤيا يحمل اسمًا يترجم وجوده في الرؤيا وقد يتم تأويل بعض العلامات بالصفات كأن تري شخصًا يحمل صفات تأوُّول الرؤيا باستخدام تلك الصفات علي شخص آخر غيره متماثل معه في تلك الصفات.

وقد تأتي الرؤيا بعلامات واضحة تفسر نفسها ويسهل تأويلها وقد تأتي غامضة تحتاج للتدقيق في أحداث الحياة بعدها لتفسيرها.. وقد ترى الأموات بكل وضوح وثبات يتحدثون معك حديث ويكأنه الحقيقة يفسرون عن واقعهم بعد الموت وواقع غيرهم من الأموات المقربين لهم.. وحديثهم صادق فهم في دار الحق، وقد ترى الأموات تنبئ عن خير آت أو شر آت.

وقد يري الإنسان رؤيا تؤول لغيره من البشر كأحد أولاده او أخواته او أقاربه. وأصدق الرؤى هي رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي».

ومن أشهر من أوول الأحاديث سيدنا يوسف عليه السلام، حيث أوول رؤيا الملك ووضع على أساس رؤياه مخطط كامل للعبور من الأزمة التي مرت بها مصر ورأها الملك قبل أن تحدث.. وباب الرؤيا لا يرتبط بالعقيدة أو الدين فهو منحة من الله عز وجل ربما تكون الرؤيا صادقة كما حدث مع الفرعون دون أن يكون مؤمنًا بديانة سماوية أو عقيدة شرعية.

وفُسِرت الشمس بالملك العظيم وفُسِر القمر بالوزير ولكنهما لاقى تفسيرًا آخر في رؤيا يوسف حينما تحققت على أرض الواقع حيث فُسِر الشمس والقمر بالأبوين.. وروى عن عائشة أنها رَأَتْ ثَلاثَةُ أَقْمَارٍ سَقَطَتْ فِي حُجْرَتِهَا، فَقَصَّتِ الرُّؤْيَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُفِنَ فِي بَيْتِهَا، قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ، وَهُوَ خَيْرُهَا. وفُسِر القمر في رؤياها بالرسول صلى الله عليه وسلم.

لذلك يجب توخي الحذر عند المفسر وإلمامه بقدر المستطاع بالجوانب الحياتية للرائي حتى يستطيع أن يفسر رؤياه بمعناها السليم بما يفيده ويعطيها المعني الأصلي للتبشير، ولنحمد الله تعالي أن جعل لنا المبشرات فضل من عنده ينذر المرء بما هو آت من خير وشر.. ويفتح له أبواب الأمل والحمد فقد يتنبه الانسان عن طريق الرؤيا لحدث قريب يجعله يحتاط للمستقبل كما فعل يوسف بعد تفسير رؤياه للملك فينجو بمن معه من هلاك عظيم. اللهم ارزقنا الرؤية الصالحة وأكفنا شر الشيطان وشركه وانصرنا على عبادك الظالمين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط