الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مارتينا مدحت تكتب : "رسالتى الأخيرة"

الكاتبة مارتينا مدحت
الكاتبة مارتينا مدحت

فى الحرب ثمة قانون واحد "أن تحمل سلاحك وتُصَوبه نحو العدو مباشرة وتريق دمائه قبل أن يُريق هو دمائك"..

فى الحرب غير مسموح لنا أن نغفل أو نرتاح أو نفكر أو نشعر، غير مسموح لنا بشئ سوى أن نحارب، رفيقي الوحيد هنا هو الموت، أحمله بداخلي فى كل خطوة، أراه حولي وأشعر بإقترابه دومًا، يمتصني حد الإستنزاف.

هل من المُقَّدر لكل هذا أن ينتهى؟ أكتب إليكِ رسالتي التي قد تكون الأخيرة وأنا أرتجف من صقيع الحرب وليس البرد، ربما كتوثيق لبشاعة ما يحدث حولي وكإعتراف من شخص أخرق مثلي أدرك متأخرًا معنى الحياة حين أصبحت رقصته الوحيدة يؤديها بشكل يومي مع الموت.

بلا رأفة قد سُحبنا إلى هذا الهلاك فى إحدى الليالي المظلمة الكئيبة، أتذكر أنني وددت الصراخ فيهم جميعًا حتى يدركوا أننا ذاهبون بإتجاه الهاوية حتى نلقى أنفسنا فيها، أوامرهم ملعونة ومبادئهم ملعونة، آمنت حينها بكلماتك أكثر من إيماني بها فى أي وقت مضى، كنتِ تقولين دائما: "نحن نحتفظ بالشمس بداخلنا، نور لا ينطفئ يحملنا لنُبصر ضوء الحياة والبحث عنه فنحن ننتمي إليه، إن حدث وحاول الزمن إلتهامنا وإخماد هذا الضوء، سَتَكفي المحبة الصادقة لإحياء كل شئ من جديد، نحتفظ بشئ من الذهب فى أرواحنا يجعلنا نؤمن بهذا اليوم الذى نصبح فيه أفضل، تصبح كل الأشياء أفضل، يهدأ نبض الحياة الملتهب، تنتهى الحرب، يحتقر البشر صفاتهم الزميمة وعاداتهم السيئة ورغباتهم الإنتقامية وينفرون منها، وفقط يحبون بعضهم بعضًا، وتكون الحرب الوحيدة المُباحة هي حرب من أجل التمسك بكل ما يشعرنا أننا على قيد الحياة، أننا هنا، وأن خَلق حياة هادئة تحمل فى تفاصيلها الكثير من السعادات الصغيرة سيكون كافيًا جدًا".

أكتب إليكِ لأنه بجانب كل الأشياء التى لا أجيد فعلها وكل الأشياء التى أنا مرغم على فعلها، فهذا هو الفعل الوحيد الذى -إذا سَنَح لى الزمان- سأختاره دائما وابدا، أن اكتب لكِ وعنكِ وأكتب للجميع ما تقوليه حتى يقرأوه، كلماتك ستزيل الكره من قلبهم أنا مؤمن بذلك.

تمنيت أن أعود الآن إليكِ وإلى عائلتي، إفتقدت أمي وافتقدتك كثيرًا، يزعجني أن اناقشك في رأسي دون أن يأتيني الرد منك وتزعجني وحدتي التي لا يخفف من حدتها شئ سوى صورتك أنتِ وأمي التي أضعها فى خوذتي، سأرجع إليكما وسنحتفل سويًا بعيد الميلاد، سأعود مرة أخرى وسأشعر بأنني حي وأهرب من هذا الموت الذى يحيطني، وأحتمى بكُما أبدًا، سينتهى كل هذا حتما..