الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ماكرون لم يجامل السيسي.. بل دافع عن الأمن القومي الفرنسي


يعتقد البعض خطأ أن الرئيس الفرنسي، إمانويل ماكرون ، كان يجامل الرئيس عبد الفتاح السيسي ، عندما أيده في الإجراءات التي تتخذها مصر في مجال مكافحة الإرهاب، لكن ماكرون كان يدافع في واقع الأمر عن الأمن القومي الفرنسي من خلال تفهمه لما يتخذه الرئيس السيسي لحماية الأمن القومي المصري.

فما قاله الرئيس ماكرون ، في معرض رده على ملف حقوق الإنسان في مصر، في إطار المؤتمر الصحفي المشترك، عقب القمة التي جمعته مؤخرا في باريس مع الرئيس السيسي، لا يوجد له تفسير آخر سوى أنه كان يدافع عن الإجراءات الصارمة و القوانين الحازمة التي أقرتها فرنسا في شهر أكتوبر الحالي لحماية أمنها القومي من الإرهاب رغم الانتقادات الشديدة التي طالت الحكومة الفرنسية بزعم انتهاكها لحقوق الإنسان من جانب المعارضة وجمعيات حقوق الإنسان .

وقال ماكرون ، ردا على صحفي فرنسي ، تمت برمجته مسبقا لإلقاء سؤال عن حقوق الإنسان في مصر " إن الرئيس السيسي يواجه تحدي تثبيت استقرار بلاده ومكافحة التطرف و الارهاب ، مشيرا إلى أنه لا يقبل أن يعطيه أحدا دروسا في طريقة إدارة شئون بلاده ، ومن هذا المنطلق فهو لا يسمح لنفسه بإعطاء دروس لزعماء آخرين في إدارة شئون بلادهم" .

وقد كان الرئيس السيسي في غاية الذكاء وملما بكل ما يحظى باهتمام الفرنسيين ويدخل الفزع في قلوبهم خاصة مخاوفهم من التأثير السلبي للإرهاب على صناعة السياحة الفرنسية ، فعقب على نفس السؤال قائلا " من يحمي حقوق الإنسان لنحو 3 ملايين مصري يعملون في مجال السياحة فقدوا مصدر رزقهم بسبب الإرهاب" .

وفي الواقع فإن أكثر ما تخشاه فرنسا هو تراجع صناعة السياحة التي جلبت لها عائدات تخطت نحو 50 مليار يورو في عام 2016 . فقد تمكنت فرنسا من تحقيق هذه الطفرة في السياحة بعد أن اتخذت كل الإجراءات الممكنة لتتمكن من إستعادة عرشها على رأس أكثر دول العالم جذبا للسياحة العالمية في 2016 بنحو 85 مليون سائح بعد أن كانت قد تقهقرت للمرتبة الرابعة في عام 2014 بنحو 60 مليون سائح بعد الولايات المتحدة، وإسبانيا، والصين.

ويحذر القائمون على صناعة السياحة في فرنسا من أنه لو سارت العمليات الإرهابية في فرنسا، على نفس الوتيرة الحالية ، فإن صناعة السياحة في فرنسا التي يعمل بها بشكل مباشر ما يقرب من 3 ملايين فرنسي ، سوف تفقد مصدرا هائلا من العملات الصعبة وسيؤدي ذلك إلى إحباط الجهود الفرنسية الرامية للوصول بعدد السائحين إلى 100 مليون سائح بحلول 2010 في وقت لا يزيد فيه تعداد الشعب الفرنسي عن 65 مليون نسمة فقط .

وفي إطار الحفاظ على المصالح الفرنسية العليا ، و عقب تصريحات وزير الداخلية الفرنسي الذي أعلن فيها أن فرنسا في حالة حرب، صوتت الجمعية الوطنية الفرنسية ( البرلمان) في 10 أكتوبر الحالي على مشروع قانون، يعطي سلطات هائلة لقوات الأمن لإتخاذ إجراءات صارمة لحماية الأمن القومي الفرنسي.

وقد أدرج هذا القانون الجديد في بنوده ، بعض إجراءات حالة الطوارئ، التي أعلنتها في فرنسا في 2015 ، و تم تمديدها 6 مرات حتى الآن . و ينص القانون الجديد ، على منح السلطات الإدارية ، و الشرطة ، الحق في تحديد أماكن إقامة أشخاص يمثلون خطرا "محتملا " على الأمن الوطني الفرنسي والتحقق من الهويات قرب الحدود دون موافقة قضائية مما يعني ترحيل أشخاص من فرنسا ، ومنع دخول أشخاص آخرين من دون العودة للقضاء . كما يعطي القانون السلطة لقوات الأمن بإغلاق دور عبادة لو اعتبرتها تحض على الكراهية و تبشر بفكر متطرف، كما يسمح القانون بإخضاع مكالمات واتصالات المشتبه بأنهم يمثلون خطرا على الأمن الفرنسي للمراقبة .

وكانت فرنسا قد أعلنت حالة الطوارئ عقب تعرض صحيفة " شارل إبدو" الأسبوعية الساخرة لعملية إرهابية في يناير 2015 أسفرت عن مصرع 12 فرنسيا و إصابة 11 آخرين معظمهم من الصحفيين . وقد مددت فرنسا حالة الطوارئ لست مرات متتالية منذ ذلك التاريخ رغم إنتقادات حقوق الإنسان . و لم تكتف فرنسا بإعلان حالة الطوارئ بل قامت في أعقاب سلسلة العمليات الإرهابية المتزامنة التي ضربت باريس في نوفمبر 2015 بتشكيل منظومة أمنية من 10 آلاف رجل من قوات الجيش الفرنسي أطلقت عليهم " sentinel " أي "الحارس " باللغة العربية.

وقد تم نشر هذه القوة لحماية المناطق الإستراتيجية والسياحية الهامة في جميع أنحاء فرنسا خاصة في العاصمة، باريس ، التي إحتلت رأس العواصم الأكثر جذبا للسائحين في العالم في النصف الأول لسنة 2017 بنحو 17 مليون سائح .

والغريب في الأمر أن العمليات الإرهابية الست التي ضربت باريس في النصف الأول لعام 2017 إستهدفت جميعها منظومة سونتينال، التي أصبحت تواجه انتقادات شديدة ، ليس فقط لفشلها في منع العمليات الإرهابية ، ولكن لكونها أصبحت الهدف الأول للإرهابيين.

وأخيرا إذا كانت فرنسا إحدى أهم الدول الصناعية الكبرى في العالم و التي تنعم بالثراء والاستقرار السياسي والإقتصادي ، و تعيش في قارة تتمتع دولها بحدود آمنة مستقرة ، اتخذت مع ذلك كل هذه الإجراءات الصارمة لمكافحة خطر الإرهاب لحماية أمنها الوطني ، فهل يمكن أن نلقي باللائمة على مصر عندما تتخذ إجراءات لحماية أمنها القومي وهي تعاني من مؤامرة خسيسة لنشر الفوضى في دول المنطقة وتفتيتها لدويلات متحاربة على أسس دينية ومذهبية وعرقية بتمويل من دويلة قطر العربية المسلمة ، وتتقاسم حدودا مع إسرائيل التي تزداد أمانا كلما ضرب الإرهاب دول المنطقة ، وحدودا أخرى شاسعة مع دولة ليبيا التي سقطت في براثن الجماعات الإرهابية المتطرفة والعصابات المسلحة فضلا عن نشاط تخريبي لجماعة إرهابية في الداخل تتعاون مع الشيطان لتعود للسلطة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط