الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لماذا يتشبث الفقراء بالحياة في ظل الندرة ؟!!


هذا المقال ليس تحريضيا وإنما يرصد الواقع الذى يعيشه الإنسان منذ بدء الخليقة , فلقد خلق الله البشر درجات، مختلفين في طبائعهم و خلقهم و أخلاقهم وأرزاقهم فهى سنة الله فى خلقه على الأرض ـ وعجبا ـ لا تجد الرضا إلا عند القليل من البشر فالأبيض لا يعجبه بياضه والأسود لا يعجبه سواده والغنى يبغى الزيادة , والفقير ساخط على الغنى ويرى أن الغنى أخذ فى حياته أكثر من حقه بكثير ولا يريد له الارتقاء أكثر مما هو فيه , كما أن نظرة الغنى للفقير نظرة دونية بل أكثر من الدونية يشوبها الاستحقار والملل والكآبة والوجه المتجهم وملامح الاستكبار .

لذلك إذا تعمقت فى دراسة المجتمعات الجديدة فى البلدان العربية , تجد نواقص عديدة , نقصت فى الأساس حينما تعرض المجتمع الى أزمات متتالية عصفت بالكيان الاجتماعى السليم , كما عصفت بفكرة إنتاج الثقافة الإنسانية المرتبطة بالفلكور والقيم والمبادئ والأسس المرتبطة بالتراث والقيم الدينية السليمة , وللأسف وما أكثر هذا الأسف حينما تجد المأثورات والقيم الإيجابية تهاجر ولا تستوطن مكانها إلا مأثورات جديدة وقيم أقل بكثير مما كانت تحوم حولنا فى الماضى.

ولذلك حينما أريد أن أتحدث عن الفقراء لا بد أن أسرد تلك المقدمة السابقة التى تتعلق بالكيان الإجتماعى الذى نحيا فيه جميعا مضطرين لأننا لا نستطيع أن نقدم ما يمكن أن يغير حياة الفقراء , إلا من خلال تكييف بعض عناصر التراث المستمدة من عصور مضت ليصبح الفقراء فى بلادنا أكثر قدرة على الحياة والاستمرار , وحتى نستطيع عمل ممارسات علاجية متواصلة من أجل علاج الخلل الاجتماعى فى المجتمع ويصبح الجميع سواسية كأسنان المشط , لا فرق بين أحد وآخر , فالجمع له ما له وعليه ما عليه , كما نرى فى المجتمعات الغربية التى كانت لا تمتلك حضارة ولا أسسا قديمة.

إن معالجة الخلل الاجتماعى الموجود فى المجتمع والمرتبط بالفقراء وحياتهم , بمثابة الموضوع الأهم الذى يحتاج الى دراسة الظواهر الثقافية الموجودة والمتعايشة معنا والتى أوصلت الحال الى هذا المقام السيئ , فالجوانب الإبداعية للمجتمع لها دور كبير فى كيفية حياة الفقراء وبناء الجوانب الإجتماعية السليمة التى يُستمد منها العلاقة السليمة بين الفرد والفرد وبين الفرد والمجتمع كله , ولن يستقيم المجتمع إلا بمعالجة الخلل الموجود وإصلاح المنظومة .. بعدها يرتقى المجتمع فى ظل ظروف جديدة يصنعها من يعتقد أنه السيد .

لذلك يجب أن يصبح الفقير فى بلادنا هو السيد ... والسيد هنا ليس المقصود به من يسود المجتمع أو أن يحكم, وإنما السيد هو الإنسان الذى يشعر أن له قيمة وكيانا ورأيا وتحليلا ومنطقا وعبارة ويؤخذ بهم جميعا , وهو الذى يشعر أنه جزء أصيل لا يمكن الاستغناء عنه فى ظل النظرات الدونية وإشعاره بأن عدمه أفضل من وجوده .

يا سادة .. اننى فى حياتى التقيت بسعداء كثيرين , أعطوا بلا مقابل وقدموا خدمات بغير ثمن , وقاموا بتضحيات بغير ان ينتظروا جزاء , ولم يندموا على شىء إيجابى قدموه فى يوم من الأيام , كان كل هؤلاء هم الأكثر فقرا فى المال لكنهم الأكثر غنى بالسعادة, حينها فقط عرفت لماذا يتشبث الفقراء فى بلادنا بالحياة؟! , لأنهم تعودوا على العطاء دون ثمن ولأنهم انسلخوا عن الحياة المادية فى زمن المادة واستغنوا عنها وعاشوا كالسادة فى قصورهم حتى ولو لم يملكوا القصور , ياسادة .. ان العطاء نفسه هو عنوان السعادة , والفقراء أكثر عطاء فى بلادنا من الأغنياء.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط