الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أنا موكوسة


أول مرة سمعت هذه الكلمة كان من عمتها التى دأبت على الذهاب الى بيتهم بين الحين والآخر تشكو لأخيها همها وسوء حظها مع زوجها الذى ذاقت معه الأمرين ،وكانت ترى ابيها وهو يحتضن اخته ويربت عليها ويهون من الامها ويقول لها ..عشان خاطر ولادك استحملى ..ويعطيها من الأموال ما يسعدها ويشترى لها ملابس جديدة ،ويذهب بها ويعيدها إلى بيت زوجها ،ليمضى وقت ليس بالطويل وتعود عمتها، وتنهار امام اخيها ،وتصرخ ،وتلطم وجهها ،وتشق جلبابها ،وتقول له وهو يحاول ان يهدىء من روعها ..انا موكوسة ،عارف انا عاملة زى ايه؟زى اليهودى اللى اشترى بيت كل اللى فيه مسلمين وفضل يعذب فيهم ويخيرهم بين انهم يسيبوا البيت او يدخلوا دينه ،اهو انا بقيت كده يا خويا لا عارفه ترضيه ولا عارفه هو عاوز ايه عشان اعمله وارضيه واستريح ،اناموكوسه ياخويا لانافعنى جمالى، ولا ادبى جايبلى حقى..

وعبثا حاول أخيها يهدئها هذه المرة ،ولم ينجح فى اعادتها الى المنزل فقد قررت ان تظل عنده حتى ينتهى عمرها ،وكانت هى ترى ابيها يبكى حزنا على اخته التى كانت من اجمل بنات العائلة وكان الكل يتهافت عليها ،ولكن تأتى الريح بما لا تشتهى السفن فقد زاد دلالها حتى كبر سنها، واصبحت فى اواخر العشرينات ،وهذا السن فى هذا الزمن وفى تلك البلدة يعنى انها اصبحت كما يقولون هناك (بايرة )،وعليه فلابد ان ترضى ،ويرضى اهلها. وقد كان ،فقد تقدم اليها رجل فى اواخر الاربعينات ارمل وله ابنان وملامحه تقترب من ملامح مخلوقات غير ادمية ووافق الاب وبالطبع موافقته تسرى على الكل وزفت اليه ومن اول يوم اظهر لها العين الحمراء وامرها بتنظيف غرفة ابنيه واطعامهما والبيات معهما حتى يعتادان عليها، واطاعته ،ليتفنن كل يوم فى اذلالها وتركيعها، وتتحمل ،وتمضى بها عشر سنوات انجبت فيهم ثلاثة اولاد ،وتحملت مايعجز بنى جنسها مجتمعين على تحمله، ومات ابيها ولحقت به امها ،واصبح اخوتها كل فى شأن يغنيه ،ولم يكن يسأل عنها ويفتح لها قلبه قبل بيته الا هذا الاخ المعروف بالقلب الطيب ،لتشكو له كل ماتذوقه من الم ومعاناة حتى تصل لهذه الحالة وتقرر الا تعود الى معذبها الذى ياتى الى اخيها متوعدا مهددا بكل ماهو سىء اذا لم تعد اليه زوجه ،ولايجيبه اخيها ويطمأنها بان بيته هو بيتها واولادها هم اولاده ولكنها تخاف من وقاحة زوجها ان تمتد لتؤذى اخيها الحبيب فتعود الى زوجها وتشعل البيت وهم نيام لتموت هى وكل من فى البيت ولايعرف احد هذه الحقيقة سوى اخيها عندما يقرأ ماتركته له بعد ايام من الحادثة تؤكد فى ورفة طوتها ووضعتها فى جلباب اخيها تقول مفرداتها..لن اتركه يعيش ولن اترك اولادى يتعذبون بدونى وايضا اولاده سيحزنون لفقدى لاننى احببتهم وعاملتهم كاولادى ،اخى الحبيب ادعى لى بالمغفرة وقل لربى اننى احبه ولكنى يئست..وعلمت هى من ابيها مافعلته عمتها واعتبره سرا لم يبح به لاحد سواها، وحزن ابيها على اخته ووسط اجواء هذا الحزن المسيطر عليه سألته يعنى ايه موكوسة يابابا؟فاجابها وعينه مليئة بالدموع هى تلك المرأة التى تجبر على الصبر على زوج على امل صلاح احواله ولكنه يزداد جبروتا واذلالا لها لتأتى لحظة تجعلها لاتستطيع ان تستعيد مافقدته من اجل من لم يقدر صنيعها وهون من افعالها النبيلة معه لتحصد مر صبرها وضياع عمرها وذبولها..ومات ابيها ولاتدرى أحزنا على اخته ام رحمة من ربه به حتى لايراها هى الاخرى تعيش نفس مصير عمتها وتصبح موكوسة ...
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط