الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل تكرر مصر المعجزة الاقتصادية الألمانية؟


المعجزة الاقتصادية الألمانية هي اصطلاح يستخدم لوصف إعادة الإعمار فائفة السرعة التي حدثت في اقتصاد ألمانيا الغربية والنمسا بعد الحرب العالمية الثانية، اعتمادًا على اقتصاد السوق الاجتماعي بقيادة زعيم الحكومة الألمانية المستشار "كونراد أديناور" ووزير الاقتصاد في حكومته "لودفيغ إيرهارت"، الذي عرف بالأب للمعجزة الاقتصادية الألمانية.

والاقتصاد الاجتماعي يقوم على الدمج بين نظامين، فهو نظام اقتصادي رأسمالي يتبنى اقتصاد السوق لكنه يرفض الشكل الرأسمالي المطلق كما يرفض أيضا الاشتراكية، حيث يجمع بين الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والشركات الخاصة مع ضوابط حكومية تحاول تحقيق منافسة عادلة والحد من التضخم وخفض معدلات البطالة ووضع معايير لظروف العمل وتوفير الخدمات الاجتماعية.

وفي هذا السياق فقد كان للحكومة الألمانية دورًا قويًا من خلال المشاركة في القرارات الاقتصادية من أجل المصلحة العامة والمشاركة في التنظيمات الاجتماعية السياسية والاقتصادية.

وإذا ما طرحنا تساؤل ... أين يقع الاقتصاد المصري على مر تاريخه؟
بنظرة سريعة يمكن القول أن الاقتصاد المصري قد بمراحل تطور وانحدار حتى بداية العصر الجمهوري وثورة يوليو 1952، وقد بدأ الرئيس جمال عبد الناصر في الإصلاح الاقتصادي، وإنهاء الملامح الإقطاعية وحدثت الثورة الاقتصادية في مجالات عدة، ولكن هيمنت على الاقتصاد المصري درجة عالية من المركزية.

وانفتح الاقتصاد المصري بشكل كبير في ظل حكم الرئيسين السابقين أنور السادات ومحمد حسني مبارك، وفي الفترة من عام 2004 إلى عام 2008 زادت وتيرة الإصلاحات الاقتصادية سعيًا لجذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من المستويات العالية نسبيًا للنمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة فقد ظلت الظروف المعيشية للفقراء في تدهور مستمر.

وبعد الاضطرابات الناجمة عن ثورة 25 يناير تراجعت الحكومة المصرية عن الإصلاحات الاقتصادية، وزاد الإنفاق الحكومي الاجتماعي بشكل كبير لمعالجة هذه الاضطرابات، ولكن حالة عدم الاستقرار السياسي تسببت في تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي، وهو ما أدى لضعف ملحوظ في القطاعات الاقتصادية وتراجع في الإيرادات الحكومية، وكانت السياحة والصناعة التحويلية والبناء من بين القطاعات الأكثر تضررًا في الاقتصاد المصري.

وقد عانى الاقتصاد المصري كثيرا في عام 2016 بسبب انخفاض عوائد السياحة، بسبب تحطم الطائرة الروسية مما دفع البنك المركزي لتعويم الجنيه، وبالتزامن مع برنامج الإصلاح استطاعت مصر جذب 6.5 مليار دولار كاستثمارات أجنبية في عام 2016 وتخطى حجم الاحتياطي 36 مليار دولار عام 2017م.

الاقتصاد المصري.. إلى أين؟
استنادًا على الإصلاحات اقتصادية والمشروعات قومية والاستثمارات في البنية التحتية قدرت العديد من المؤسسات الاقتصادية الدولية منها المجموعة هيرمس - أكبر بنوك الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا- أن عام 2018 سيكون بمثابة عام بداية الانفراجة الاقتصادية لمصر وجني ثمار برنامج الإصلاح الذي تنفذه الحكومة المصرية، والذي سينعكس ايجابيا على مؤشرات الاقتصاد، وعلى رأسها معدلات التضخم وتقلص العجز في الميزان التجاري وتحسن قيمة الجنيه مقابل الدولار، وتحسن كبير في معدلات السياحة والنشاط الصناعي.

فمن المقدر أن يحقق الاقتصاد المصري معدلًا للنمو يصل إلى 4.8% وأن يتراجع معدل التضخم إلى 10.5% ومن المقدر أن يصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 307.8 مليار دولار في نهاية العام المالي 2018 -2019، وأن يرتفع متوسط إيرادات القطاع السياحي خلال العام 2018-2019 إلى 8.4 مليار دولار بفضل عودة السياحة الروسية التي ستزيد إيرادات السياحة بنحو 2 إلى 5ر2 مليار دولار .

كما أن ارتفاع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي مع دخول حقول جديدة العمل سيمنح قوة للاقتصاد المصري، اعتبارًا من العام 2018، حيث بدأ بالفعل حقلي غرب الدلتا وظهر انتاجهما في 2017 ما سيسهم في وصول إنتاج مصر لاعلى مستوياتها من الغاز وهو ما سيدعم أداء الاقتصاد المصري بحلول 2019، حيث سيحقق بشكل شبه كامل الاكتفاء الذاتي لاحتياجات السوق المحلي من الغاز المسال والذي سيوفر بدوره ما بين 12 إلى 15% من عجز الحساب الجاري.

وفي السياق ذاته عدلت مؤسسات فيتش وستاندرد أند بورز مؤخرًا النظرة الائتمانية الخاصة بمصر إلى إيجابية حيث قدرت وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى أن الاقتصاد المصري سينمو بوتيرة أسرع بعدما بدأت تدابير الإصلاح الهيكلى تؤتى ثمارها، كما يرى بنك الإمارات دبى الوطنى أن التوقعات أكثر إشراقًا مع بداية العام الحالي والتي تشير إلى تحسن الظروف الاقتصادية ومن المتوقع زيادة الإنتاج فى غضون عام.

وفي اعتقادي أن الشرارة الأولى للإصلاح كانت لقرار تعويم سعر الصرف لما لعبه من دور كبير في ضبط إيقاع الواردات غير البترولية والتي تراجعت بنسبة 16.2% والذي فتح المجال للتوجه نحو الإحلال محل الواردات لمقابلة احتياجات السوق المحلي.

وبلا شك أن التوجه للإحلال محل الواردات سيعزز فرص الاستثمار وسيوفر فرص العمل للحد من البطالة، كما أن التوسع في النشاط الإنتاجي سيحد من الضغوط التضخمية الناجمة عن انخفاض المعروض.

وبنظرة موضوعية محايدة يمكن القول إن الاقتصاد المصري على أعتاب تحقيق وبداية معجزة اقتصادية إذا ما تضافرت جهود كافة القطاعات، وتحمل رجال الأعمال ورواد الأعمال المصريين دورهم الوطني جنبًا إلى جنب مع الحكومة في بناء مصر الوطن.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط