الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عفرين بين دكتاتورية أردوغان وفلسفة أوجلان


المتتبع لما يجري في سوريا بشكل عام وعلى عفرين على وجه الخصوص يُدرك مدى الصراع بين القوى الدولية والإقليمية والمحلية لتقاسم النفوذ على الجغرافيا السورية من جهة، ومن جهة أخرى بين الشعوب المتطلعة لحريتها وكرامتها بعيدًا عن كافة أنواع النظم السلطوية المتربعة على رأس شعوب المنطقة منذ عقود من الزمن.

 صحيح أنه ثمة تنافس بين تلك القوى من أجل مصالحها وأطماعها في المنطقة من خيرات تسعى للاستحواذ عليها ولتذهب الشعوب إلى الجحيم.

 ولكن بنفس الوقت هذه التناقضات ليست الجوهرية والفكرية التي يدّعيها كِلا الطرفين في أن أصل الصراع هو بين محور الامبريالية ومشروعها في الشرق الأوسط الجديد وبين محور المقاومة.

هذه الجمل الرنَّانة والتي هي من مخلفات الأنظمة السلطوية التي عملت على إدامة سيطرتها ونفوذها على المجتمعات من خلال هكذا شعارات لم يكن الهدف منها إلا دغدغة عواطف الشعوب وجعلها كبش فداء على مقصلة سلطة الأنظمة الشمولية والديكتاتورية في منطقة الشرق الأوسط.

 منذ مائة عام وشعوب المنطقة تقتات على شعارات خلابية لا وجود لها على أرض الواقع، ولم ترَ الشعوب منها سوى الويلات والتهجير والفقر والمعتقلات على حساب سطوة نخبة من سارقي خيرات المجتمعات، لتبني لذاتها الهالة المقدسة وكأنها ظل الله على الأرض، في حين أنها ليست سوى التجسيد الحقيقي لإبليس الذي طغى وتكبّر على العباد.

فلا أمريكا ومن ورائها من دول غربية ولا روسيا ومن وراءها من دول شرقية ولا الأنظمة الدكتاتورية المتربعة على رقاب الشعوب في منطقتنا، جلبت الحرية والكرامة والانسانية للشعوب التي تئن من وطأة هذه القوى السلطوية. 

إذ، أن كافة هذه الأطراف تعتمد العنف أساسًا لها في ديمومة سلطته الدكتاتورية على أساس فلسفة "أمة الدولة" و"دولة الأمة" التي لم لن تجلب للشعوب سوى المزيد من الاغتراب عن ذاتها وتبعيتها الفكرية لأنظمتها متشحة برداء القومية تارة وعمامة الدين تارة أخرى.

ما يجري في عفرين ما هو إلا تجسيد للصراع الفلسفات الفكرية بغض النظر على الدول إن كانت هي في محور المقاومة كما تدعي أو أنها في المحور الثاني الشيطاني. وما محور المقاومة سوى مسنن صغير في آلة الحداثة الرأسمالية التي تقطع أوصال المجتمعات والشعوب إلى أشلاء متناثرة.

الذي انتصر في عفرين هو نفسه الذي انتصر في كوباني وسري كانية والرقة وغير من المناطق، والذي انهزم ليس داعش فقط بل العقلية التي كانت مسؤولة عن ظهور داعش وأخواتها من مجموعات مرتزقة تنهش في جسد الإنسان ليس لسبب يذكر، إلا لأنه قاوم وقال "لا" و "كفى" لهذه العقليات والنظم الوحشية التي تريد النيل من حرية الإنسان. الذي انتصر هو فلسفة "الأمة الديمقراطية" على فلسفة "الأمة القومية والدينية الشمولية".

إنه صراع بين آفيستا خابور وبارين كوباني وأحمد الذين بجسدهم لقنوا العالم دروسًا في الأخلاق المجتمعية وكيف تصنع من "المقاومة حياة". إنه صراع بين ممثل الشعوب والمجتمعات التواقة للحرية والأخلاق المجتمعية وبين ممثل الأنظمة السلطوية والديكتاتورية التي لا يهمها سوى السلطة والمال حتى ولو كان على حساب دم الشعوب وجسد المقاومين.

صراع بين فلسفة القائد عبد الله أوجلان صاحب "مشروع الشرق الأوسط الديمقراطي" وبين أردوغان والأسد أصحاب فلسفة "دولة الأمة الاسلاموية" وفلسفة "أمة الدولة القومية". انتصرت بارين وأفيستا في عفرين التي يقف العالم الآن مندهشًا على هذه المقاومة أمام جبروت الآلة العسكرية التركية الاردوغانية وأمام صمت القبور الذي يعيش فيه النظام السوري، وكذلك خذلان وتواطئ القوى الدولية النائمة في كهف الحداثة الرأسمالية الوحشي.

نعم، بارين وآفيستا وأحمد نقولها بكل آلم أن النظم الحاكمة الآن لم ترَ فيكم سوى رقم في مقصلة الشرق الأوسط، لكن اعلموا جيدًا بأنكم أصبحتم أيقونة وحلم كل متطلع للحرية ومدرسة ستتعلم فيها الأجيال القادمة معنى "المقاومة حياة" لبناء مجتمع أخلاقي سياسي على أساس أخوة الشعوب والعيش المشترك.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط