الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

امنعوا التحضر‼


يبدو أن هناك حالة من الرفض لعناصر كل ما هو متحضر، وهو ما يظهر فى السلوكيات سواء كانت إدارية أو بشرية.

فبعد أن تبدأ الدولة، جاهدة فى استيراد تجارب التحضر، بما تكلفه من أموال، وجهود، ووقت، من أجل أن ينعم المواطنون بخدمات تتناسب مع طبيعتهم، كشعب علم البشرية، وصنع لها من العلوم والفنون، ما صارت قوانين وأعراف فى الخارج، إلا وتجد من يصر إلى حد القسم، جهد إيمانه، بضرورة منع هذا التحضر، والعودة إلى سابق العهد، من بيروقراطية وعدم نظام، وتسيب فى كل المجالات، حتى خسرت الدولة، وازدادت معاناة المواطنين.

الأمثلة على ذلك كثيرة، ونسوق منها، بحكم الوقت والمساحة، مثالين فقط، الأول هو مترو الأنفاق على الخط الأول حلوان – المرج، والذى قامت الحكومة باستيراد قطارات تصل فى عددها الى العشرات، وفى تكلفتها المليارات، حتى يقدم للمواطنين خدمة نقل مريحة، وبأسعار هى الأقل بين نظيرتها فى سائر وسائل المواصلات.

بدأ تسيير القطارات الجديدة، وهى على أعلى مستوى من التحضر، سواء من حيث الإذاعة الداخلية، التى تنوه عن جميع المحطات، والإرشادات الواجب اتباعها لسلامة المواطنين، وعدم تعطيل حركة السير، وهى الإرشادات التى يتم إذاعتها بشكل أتوماتيكي باللغتين العربية والانجليزية، فضلا عن تجهيز القطارات وجعلها مكيفة، حتى تقى المواطنين برودة الجو شتاء، وحرارة الطقس صيفا.

ومع كل تجربة جديدة، بدأ التسيير كما ينبغى، لكن يبدو – والحال كذلك – أن هناك حالة رفض متعمدة لعدم استمرار التحضر، وحرمان المواطنين من حقوقهم، فى ألا يقلوا عن باقى شعوب الأرض تحضرا، فسرعان ما تعطلت الإذاعات الداخلية، وعن عمد، وتكييف العربات، وأصبحت القطارات مفتوحة النوافذ، ولم يعد المواطنون يهتمون بنظافته، حتى تحولت القطارات إلى شبيهتها من القديمة التى تم تسييرها على الخط منذ تشغيله فى ثمانينيات القرن الماضى.

مثال آخر، لجأت فيه الحكومة لأسلوب التحضر، فى تنظيم حركة المرور بالشوارع والميادين العامة، فأرادت أن تتخلص من الطريقة التقليدية، وحماية رجال المرور من عناء التنظيم اليدوى، ليل نهار، وقامت بتركيب إشارات المرور، وتشغيلها، غير أن الالتزام لم يدم طويلا، فتجد السيارات، تعبر الطرق، فى ظل الضوء الأحمر للإشارة، ولم يعد أحد يهتم بها، حتى اختلطت الأمور، وعادت إلى قديمها، من عدم النظام.

منع التحضر يبدو، أنه أصبح تكليفا، قد تكون الحكومة سببا فيه، نتيجة عدم تشديدها على الإجراءات الواجب اتباعها، واعتماد موظفيهاعلى الطرق القديمة، المخالفة لكل تحضر وتطوير، وقد يكون المواطنون هم السبب، نظرا لعدم الالتزام الداخلى، و الحرص على المال العام.

وأيا ما كان السبب، فان منع التحضر له أضراره ليس فقط على المواطنين، الذين يأنون الحياة، ويشتكون مظاهرها اليومية، أو على الدولة التى تنفق المليارات هدرا دون أن تحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع.

التحضر إذن فى حاجة إلى ثقافة جديدة، من جانب النظام الإدارى للدولة، ومن جانب المواطنين، تضمها منظومة تكاملية ما بين دور الدولة والشعب.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط