الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الجيش يحمي ثورة الشعب في 25 يناير (2)


واتساقًا مع الدور التاريخي والحالة الفريدة التي تجمع بين الجيش المصري وأبناء الشعب وحين جاء وقت التغيير إبان ثورة 25 يناير 2011 .. احتفظت القوات المسلحة بثقة المواطنين بانحيازه لإرادة الجماهير وأكدت أنها ليست تابعة للرئيس إذا كان بمعزل عن شعبه .. وأكبر دليل على هذا تلك الرسائل التي قدمها المجلس العسكري لطمأنة الشعب على ضمانه للانتقال السلمي للسلطة.

حيث مارس الجيش أعلى درجات الوعي السياسي إدراكًا منه حساسية تلك المرحلة الانتقالية. وتعامل سلميا مع المتظاهرين مما عزز مناخ الثقة بين الجانبين وعبر بمصر بأمان مرحلة شديدة الخطورة، مما أكسب القوات المسلحة ثقة كبيرة من قبل الشعب وتقبلا حسنا لقرارات المجلس العسكري. 

وقد لعبت المؤسسة العسكرية المصرية الدور الأهم خلال فترة ثورة 25 يناير 2011، واستطاعت بجدارة الحفاظ على وحدة وصلابة مصر والوصول بسفينة البلاد الى بر الأمان وسط الأمواج العاتية التي كانت تعصف بدول المنطقة الواحدة تلو الأخرى، وذلك سواء من خلال التزام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأعلى درجات الانضباط الوطنى مع أحداث الثورة، أو من خلال إدارة المرحلة الانتقالية التي تلتها، تلك المرحلة المفصلية فى تاريخ مصر المعاصر.

 ولا نبالغ إذا قلنا أن هذا الدور تجاوز في آثاره الحدود الإقليمية والدولية، خاصة بعد أن باتت المخططات الدولية التي تحاك ليل نهار تحت ادعاءات الحرية والديمقراطية لتقسيم وتفتيت دول المنطقة مفضوحة ومكشوفة، وبدأت تخرب بلدانًا كانت مستقرة مثل سوريا وليبيا والعراق واليمن وغيرها.

ويرصد الخبراء عدة أسباب أساسية تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن القوات المسلحة أنقذت ثورة 25 يناير وأن الجيش المصري هو حصن الأمان المنيع للدولة المصرية الذى أحبط مخطط إسقاط مصر خلال أيام الثورة وفى أعقابها، فالجيش كان الضامن الوحيد للديمقراطية والاستقرار في ظل عدم وجود قيادة موحدة للثورة، واحترم أهداف الثورة، وقام بتأمين المتظاهرين، وكان بحق جيش الشعب لا السلطة، وتجلى دوره الحيوي في مواجهة حالة الانفلات الأمني يوم 28 يناير عقب غياب قوات الشرطة .. وما سيتبعها من عمليات نهب وتخريب وهروب المساجين من السجون.

ومن الأسباب التي تؤكد أيضا أن الجيش المصري انحاز لمطالب الشعب، أن المجلس الأعلى برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي التزم بحماية النظام العام للدولة، والانحياز للثورة والتعهد بضمان الانتقال الديمقراطي للسلطة، وكذلك وضوح موقف الجيش من التزامات مصر الدولية والإقليمية.

وقد كشفت تطورات الفترة من 25 يناير وحتى الحادي عشر من فبراير 2011، تاريخ تنحي مبارك عن الحكم، أن المؤسسة العسكرية قد سلكت أقصى درجات التعاطي الإيجابي مع تطورات الأحداث على أرض الواقع، وذلك رغم الحساسية السياسية التي واجهت الجيش في ظل تواجد الرئيس الأسبق في الحكم، وفى هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى موقف الجيش من القضايا التاليـة:

حماية الاستقرار ودعم الديمقراطية
توقفت العديد من التحليلات عند وصف الجيش المصري بأنه الضامن للديمقراطية والاستقرار، وأنه قادر على قيادة البلاد نحو الديمقراطية، رغم التحليلات التي كانت تحذر من الإطاحة بمبارك، ويمكن فهم هذا التحليل في ضوء ما تحظى به المؤسسة العسكرية من مصداقية كبيرة لدى الرأي العام المصري، مقارنة بالمؤسسات المدنية الأخرى، حيث يمثل الجيش الأمل الأخير للنشطاء السياسيين في مصر لمقاومة خطة التوريث.

ويمكن القول إن بيان الجيش رقم واحد، في 10 فبراير 2011، ساهم في تكريس هذه النظرة تجاه دور الجيش، خاصة وأنه تحدث عن حماية تطلعات الشعب المصري، وكذلك ما ورد فيه من تأييد مطالب الشعب المشروعة وبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات للحفاظ على الوطن ومكتسبات وطموحات شعب مصر العظيم، وبالتالي فقد قدم البيان الجيش المصري بأنه "الحارس" علي تنفيذ مطالب شباب الثورة المشروعة في إطار الشرعية.

احترام أهداف الثورة
بالرغم من أن الجيش، هو جزء من النظام السياسي القائم، إلا أن العديد من التعليقات توقفت عند موقفه الإيجابي من شعارات ومبادئ ثورة الخامس والعشرين من يناير، إلى الدرجة التي وصفتها تعليقات إعلامية بأن الطرفين "الجيش والمتظاهرين أصبحا أصدقاء"، كما أن الشعارات التي رفعها الشباب ضد الرئيس الأسبق، حازت تعاطف الجميع بمن فيهم الجيش، الذى أقر بشرعية مطالب المحتجين.

تأمين المتظاهرين
كانت جهود المؤسسة العسكرية لتأمين وسلامة المتظاهرين فى ميادين مصر خاصة ميدان التحرير، محط اهتمام وإعجاب العديد من التقارير الدولية الرسمية والإعلامية، التي رأت أن الجيش لعب دور "وسيط الخير" في الأحداث، ورفض استخدام العنف ضد الشعب، وامتنع حتى عن التدخل، كذلك توقفت العديد من المصادر عند ما أسمته بمشاعر "الحب والتقدير" التي أبداها المصريون تجاه الجيش عقب نزوله في أعقاب حالة الانفلات الأمني، في 28 يناير، مبرزة شعار تلك المرحلة "الجيش والشعب يد واحدة". وأن الجيش حمى المتظاهرين.

جيش الشعب
كان الجيش المصرى قبل ثورة يناير – ولا يزال - يحظى بالاحترام الشديد من قبل معارضي نظام مبارك، فالجيش بالنسبة للمصريين هو جيش الشعب الذي لا يمسه فسادا ولا يمارس إرهابا ضد المواطنين، وعلى طول الاضطرابات التزم الجيش موقف الحياد، فى حين كان قادة الجيش في تونس هم من دفعوا الطاغية زبن على إلى الطائرة لتخرجه من البلاد، أما الجيش المصرى فتابع التطورات والانتظار. وقد أتاح الجنود للمتظاهرين سماع صوتهم، وتدخلوا فقط لمنع أعمال النهب وضبط النفس. وأضافت هذه الأمور إلى الجيش نقاط كثيرة لدى الرأى العام المصري وأظهره على أنه ناضج ومسؤول.

مواجهة الانفلات الأمني
شهدت تلك الفترة تكثيف جهود القوات المسلحة لمواجهة حالة الانفلات الأمنى بعد أحداث العنف التى شهدتها جمعة 28 يناير التى أطلق عليها المحتجون "جمعة الغضب"، وانسحاب قوات الشرطة من مواقعها، ومن أمثلة هذه الجهود:

* التصدي لمحاولة اقتحام مطبعة البنك المركزي، فضلًا عن قيام الجيش بالفصل بين المتظاهرين ورجال الشرطة فى محاولات لاقتحام وزارة الداخلية.

* قيام قوات الجيش بحراسة المنشآت الحيوية، حيث دفع الجيش المصري بتعزيزات إضافية إلى القاهرة، كما قامت القوات المسلحة بالقبض على 3113 خارج على القانون وتقديمهم للمحاكمة العسكرية.

* تأمين المظاهرات بجميع الميادين بالمحافظات، وخاصة ميدان التحرير والحفاظ على سلميتها.

* تمكن الجيش بمساعدة الدفاع المدنى من السيطرة على ألسنة اللهب الناتجة عن انفجار استهدف أنبوب الغاز بين مصر والأردن دون حدوث أي خسائر بشرية.

* قيام قوات الجيش بالانتشار في أحياء مدينة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد ونجحت في السيطرة على الموقف، حيث شهدت المدينة انفلاتا أمنيا غير مسبوق بعد انسحاب معظم القيادات الأمنية في المحافظة.

ووفق التحليلات الرصينة فقد اتسم مسلك المؤسسة العسكرية المصرية في هذا التوقيت الحساس، بأن الجيش يريد أن يبعث بخطابين واضحين إلى الشعب: الأول النأي بالمؤسسة عن شخص الرئيس مبارك، والثاني تأكيد أنها تظل المؤسسة التي تحظى بأكبر قدر من التقدير والاحترام في مصر.

ملأ فراغ السلطة
تشير دراسة موقف المؤسسة العسكرية المصرية عقب قرار الرئيس الأسبق حسنى مبارك، التنحي عن السلطة وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، إلى ممارسة الجيش درجة عالية من الوعي السياسي وإدراك "حساسية" المرحلة الراهنة، ويمكن أن نعزو هذه الدرجة إلى بعض الأسباب أبرزها الموقف الإيجابي للجيش المصري من الثورة وتعهده باحترام مطالبها، وبيانات الجيش التي أزالت الكثير من اللبس وصيغت بمهنية عالية، حظيت بتقدير القوى السياسية المصرية، مقارنة بخطابات مبارك التى وصفت بأنها "استفزازية".

وفيما يلي نماذج لموقف الجيش من بعض قضايا تلك المرحلة، والتى تنوعت ما بين سياسي ودستوري وأمني واقتصادي.

* حماية النظام العام للدولة
كان بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم "1" خاصة ما ورد فيه من تأييد مطالب الشعب المشروعة "للحفاظ على الوطن ومكتسبات وطموحات شعب مصر العظيم"، نقطة مفصلية في إدارة قضايا هذه المرحلة، حيث أكد الجيش أنه بمثابة العمود الفقري للدولة، كذلك فإن تصريحات المجلس فى تلك المرحلة تؤكد قدرته على ملئ الفراغ السياسي الذي نشأ برحيل مبارك وأنه قادر على قيادة مصر نحو الانتقال إلى الديمقراطية.

* الانحياز للثورة
أظهر المجلس الأعلى للقوات المسلحة انحيازًا للشعب منذ يوم 28 يناير، لا سيما وأنه يحظى باحترام كبير منه، بجانب أن القوات المسلحة لعبت دورا أساسيا خلال الاحتجاجات واتسم هذا الدور بتأييد مطالب المحتجين في التعامل معهم سلميا وبود شديد مما خلق مناخا من الثقة بين الجانبين وعبر بمصر مرحلة شديدة الخطورة، مما أكسب القوات المسلحة ثقة كبيرة من قبل الشعب وتقبلا حسنا لقرارات المجلس الأعلى للقوات المسلحة والتى حققت مطالب المحتجين بأسلوب منطقي وتدريجي.

* ضمان الانتقال الديمقراطي للسلطة
كانت تلك القضية التي وردت في بيان الجيش رقم "5" عقب قرار التنحي، حيث أكد المجلس على: "تعليق العمل بأحكام الدستور وحل مجلسي الشعب والشورى". وتعهد بفترة انتقالية "لمدة ستة أشهر" وإجراء تعديلات دستورية وتشريعية تسبق إجراء انتخابات نيابية ورئاسية، وتبدو أهمية هذه القضية في تلك المرحلة في ضوء اعتبارين: أولهما، النظرة السلبية التقليدية لدور الجيش خاصة في الأدبيات الغربية والإشارة لدوره السياسي، والاعتبار الثاني هو أنها أزالت الشكوك والمخاوف التي سادت لفترة خشية إحكام الجيش علي السلطة في مصر،

* موقف الجيش من التزامات مصر الدولية والإقليمية
لقي البيان الرابع الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي أكد احترام جميع المعاهدات الدولية والإقليمية، ارتياحًا لدى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل باعتبار أنها عكست تأكيدًا من المؤسسة العسكرية التزام مصر بالاتفاقيات الموقعة فى تنويه إلى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.

 ويمثل هذا البيان أهمية خاصة في سياسة مصر الخارجية بعد الثورة، حيث أزال التخوفات في بعض الأوساط السياسية من إمكانية إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، كما أكد البيان ثوابت السياسة الخارجية المصرية، وأنها تدار وفق أسس مؤسسية وقواعد مرعية ومصانة.

الخلاصة إذًا أن التزام القوات المسلحة الباسلة بدورها الوطني المعهود منها دائمًا كان الضمانة الحقيقية لدعم إرادة المصريين في ثورة 25 يناير 2011 .. وكان أيضًا بمثابة طوق النجاة الذي عبر بسفينة الوطن في أحلك المراحل التي مرت بها مصر إلى بر الأمان .. فكان هو حامي الوطن والمواطنين وخير من يؤتمن على تراب مصر المفدى.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-