الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الفن المصري في مواجهة الصهيونية العالمية والإرهاب


يتعرض الفن المصري، أحد أهم القوى الناعمة لمصر، لحرب شعواء تستهدف تشويه صورة الفنانين المصريين والتقليل من شأن الفن المصري، بغرض تجريد مصر من احد أهم أسلحتها، وهو تأثيرها الثقافي على محيطها العربي.

فقد وصلت هذه الحرب التي تقف وراءها الصهيونية العالمية بالتعاون الوثيق مع الجماعات الإرهابية المتطرفة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين إلى حد تشويه الفنان الراحل العظيم، عبد الحليم حافظ، أحد رموز الوطنية المصرية، باتهامه اتهاما باطلا بالسخرية من رسول الله، محمد صلى الله عليه وسلم.

فقد روجت هذه الجماعات، مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي، لفيديو للشيخ الجليل الدكتور على جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، وهو يدافع عن الفن الراقي مستشهدا بحب عبد الحليم حافظ لنبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، مؤكدا أن عبد الحليم، بلغ من شدة عشقه للرسول الكريم إلى حد أنه مدحه من خلال أغنية "قولوله الحقيقة.. أبو عيون جريئة".

وسارع المتصهيونون المتأسلمون بعمل فوتوشوب لحديث الدكتور على جمعة بإزالة استشهاده بالجزء الأول من الأغنية وهي قولوله الحقيقة ثم تركوه يقول عبارة "أبو عيون جريئة"، ثم استمر الفيديو بالسخرية من الدكتور علي جمعة بصوت علق على الحديث المبتور للدكتور على جمعة بالقول "لا يا شيخ، ثم تبع هذه السخرية من الشيخ على جمعة، ظهور طفل صغير يضحك ضحكة هستيرية لمزيد من السخرية من الشيخ علي جمعة وعبد الحليم حافظ في آن واحد.

وقد بادرت على الفور ببث فيديو على فيسبوك يظهر الفنان الوطني الراحل عبد الحليم حافظ وهو بالفعل يمدح الرسول بنفس ألحان أغنية "أبو عيون جريئة" حيث تقول الأغنية "روحولوله.. روحولوله المدينة، وشاهدوا وباركوا وعاهدوا نبينا، محمد نبينا روحولوله المدينة".

ولمعرفة الهدف من استهداف الفن المصري خلال السنوات الأخيرة، وبالذات بعد ثورة 30 يونيو، في محاولة للإطاحة به من عرشه كرائد للفنون العربية واستبداله بفنون أخرى تركية وعربية بلهجات غير اللهجة المصرية المحببة لقلوب العرب، علينا العودة لسنة 2005 حين شهدت العاصمة الفرنسية، باريس، اجتماعا لمجموعة من رؤساء الاستخبارات الأجنبية، على رأسهم رئيس المخابرات الإسرائيلية في ذلك الوقت، مائير داجان، واستهدف هذا الاجتماع التشاور من أجل استكمال مخطط تقسيم الدول العربية إلى دويلات على أسس دينية وعرقية ومذهبية وعشائرية.

وتزامن هذا الاجتماع مع مرور عامين على الاحتلال الأمريكي للعراق، واقتراب العراق من السقوط في براثن التقسيم إلى ثلاث دويلات، واتفق المشاركون، دون استثناء، مع وجهة نظر رئيس الموساد الإسرائيلي، عندما أكد استحالة تقسيم مصر مثلما حدث مع العراق، نظرا لوطنية المصريين، مسلمين ومسيحيين، ونظرا لقوة ووطنية الجيش المصري.

وشدد المسئول الإسرائيلي على أن بديل مخطط التقسيم بالنسبة لمصر هو إثارة عدم الاستقرار في ربوعها من خلال تشجيع الجماعات الإرهابية على أساس أن عدم الاستقرار يتساوى في خطورته مع خطر التقسيم، كما ردد مقولة رئيس وزراء إسرائيل، شيمون بيريز، بأن العرب خضعوا لحكم مصر لمدة نصف قرن من الزمان وعليهم الآن الخضوع لحكم إسرائيل.

واعتبر مائير داجان أن الفن المصري كان من العوامل الرئيسية التي دفعت بمصر لزعامة الأمة العربية، نظرا للتأثير الكبير للفن المصري والثقافة المصرية على الشعوب العربية، وشدد رئيس الموساد على ضرورة وضع مخطط متكامل من خلال تجنيد زعماء الجماعات الدينية المتشددة وبعض المشايخ المتطرفين لتشويه صورة الفن والفنانين المصريين بزعم أن الفن مخالف للإسلام.

واعتبر رئيس الموساد الإسرائيلي، أن ذلك هو الطريق الأمثل لتجريد مصر من ريادتها الفنية، وتأثيرها على الوجدان العربي، مستشهدا في هذا الصدد بالأغاني الوطنية المصرية التي ساهمت في نمو الوازع الوطني وإلهاب حماس الشعوب العربية بقضاياهم القومية.

ويكفي هنا، التذكير ببعض الأمثلة للاستدلال على شدة تأثير الفن المصري على محيطه العربي، ولا يوجد أفضل من صوت أم كلثوم للاستشهاد به لإثبات مدى تأثير الفن المصري على المحيط العربي، فكانت حفلة السيدة أم كلثوم  في أول خميس من كل شهر، تعد بمثابة توحيد للأمة العربية من المحيط للخليج، فكانت الشوارع العربية تخلوا من المارة خلال حفلة أم كلثوم للاستمتاع بإبداع سيدة الغناء العربي، ونفس الشيء يحدث، ولا يزال حتى الآن، في الشوارع العربية عندما تقدم الدراما المصرية أحد أعمالها الفنية الجيدة.

ولا يمكن هنا و حن نتحدث عن تأثير الفن المصري على المحيط العربي، أن ننسى الواقعة الشهيرة التي حدثت للرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، وهو في زيارة رسمية للملكة المغربية في الستينات من القرن الماضي، عندما أصر مواطن مغربي بإلحاح شديد أن يتحدث إلى الرئيس عبد الناصر وهو يطوف شوارع مدينة الرباط بصحبة ملك المغرب، الراحل الحسن الثاني، في سيارة ملكية مكشوفة، وأمام إصرار المواطن المغربي الذي ظل يركض بجانب السيارة للتحدث مع جمال عبد الناصر، طالب عبد الناصر من السائق التوقف لسماع المواطن المغربي، فكانت المفاجأة أنه قال لعبد الناصر "يا ريس سلم لي على إسماعيل يس" في حدث عكس مدى تأثير الفن المصري وخفة الدم المصرية على المواطن العربي في أقصى المغرب العربي.

وتدرك الصهيونية العالمية ومعها الجماعات الإرهابية مدى الوطنية التي يتمتع بها الفنانون المصريون على مر العصور، فوقوف الفنانين المصريين بجانب ثورة 30 يونيو، وتدعيم الدولة المصرية من خلال تأييد الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يكن وليد الصدفة، فهو امتداد لتاريخ وطني حافل للفنانين المصريين في تأييد القضايا المصرية ليس فقط في وقت الانتصارات ولكن أيضا في وقت الإنكسارات والانتكاسات، فمن يمكن أن ينسى قيام السيدة أم كلثوم بالغناء لصالح المجهود الحربي لإزالة آثار نكسة 1967، ولم تكتف أم كلثوم بجولاتها في الدول العربية لجمع الأموال لصالح الجيش المصري، بل ذهبت لتغني على مسرح الأوليمبيا الشهير بباريس ليزيد هذا الحدث الفريد من هذا المسرح العريق عراقة على عراقته.

كما لا يمكن لأحد أن ينسى الدور الذي لعبه الفنان العظيم عبد الوهاب، وعبد الحليم، وشادية، ونجاة، وفايدة كامل، وغيرهم من نجوم الفن والغناء لصالح مصر وإثارة النزعة الوطنية في قلوب المصريين في الماضي مثلما يقوم الآن عادل إمام، وحسين فهمي، ويسرا،  وليلى علوي، وعمرو دياب، بنفس الدور في الحاضر.

ولحسن حظي، أن لي تجربة شخصية أدركت بفضلها الدور المحوري الذي يلعبه الفن المصري في التأثير على محيطه العربي وهو ما ساعدني على إدراك السبب الذي دفع الصهيونية العالمية لاستغلال الجماعات الدينية المتطرفة في الترويج لتحريم الفن المصري دون غيره لينتزع من مصر ريادتها الثقافية على العالم العربي.

فعندما كنت مديرا لمكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط بالسنغال وغرب إفريقيا وقع اختيار فريق مسلسل الحفار (يروي إحدى ضربات المخابرات المصرية لإسرائيل) على السنغال لتصوير المسلسل على أراضيها، خاصة وأن السنغال كانت محطة مهمة مكنت المخابرات المصرية من تفجير الحفار الإسرائيلي الذي كان ذاهبا لاستخراج البترول من خليج السويس الذي كان خاضعا حينذاك، أي في مارس 1970، لإسرائيل بعد احتلالها لسيناء في 1967.

وعندما علمت الجاليات العربية الكبيرة بالسنغال خاصة الجالية اللبنانية، والجزائرية، والمغربية، بقدوم فريق التمثيل المصري لمسلسل الحفار المكون من نجوم مصرية شهيرة على رأسهم حسين، ومصطفى فهمي، ولبلبة، وهالة صدقي، ويوسف شعبان، وسوسن بدر، تدفقت جموع غفيرة منهم على مطار داكار الدولي، ليكونوا في استقبال الفنانين المصريين، في مشهد مهيب، كشف عن مدى تأثير الفن المصري، على الجاليات العربية، حتى لو كانت هذه الجاليات تعيش في إفريقيا في هذا التوقيت، حيث لم يكن العالم قد شهد بعد ثورة الاتصالات ولم تكن الفضائيات قد حولت العالم لقرية صغيرة.

وأتذكر هنا جيدا كم تحول فندق "ماريوت " بداكار الى تجمع عربي للجاليات العربية طوال فترة إقامة فريق تمثيل مسلسل الحفار.

كما لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي لعبه الفن المصري، لتمجيد بطولات المصريين، والقوات المسلحة المصرية، و المخابرات المصرية، لترسيخ الوطنية في قلوب المصريين سواء خلال الإحتلال الإنجليزي لمصر أو خلال حروب 1948 و1956 و1967 وحرب الاستنزاف أو خلال انتصار 1973 بفضل أفلام ومسلسلات خالدة مثل في بيتنا رجل، وبورسعيد، والرصاصة لا تزال في جيبي، ورأفت الهجان، ودموع في عيون وقحة، والطريق إلى إيلات ويوم الكرامة وغيرها وغيرها من الأفلام والمسلسلات.

ومن منا يمكن أن ينسى أغاني الوطن الأكبر ويا حبيبتي يا مصر. ولا يزال يلعب الفن المصري دورا مهما في توعية الشعب المصري بالتحديات التي تواجها مصر في الوقت الحالي من خلال التحذير من خطورة الإرهاب، ومحاولات إسقاط الدولة المصرية، بواسطة أغاني رائعة مثل تسلم الأيادي، وطوبة فوق طوبة نبني، وغيرها من الأغاني التي مجدت ثورة 30 يونيو و الهبت حماس المصريين، وساهمت في توعية المصريين بأهمية عمليات التنمية التي تجري حاليا في جميع أنحاء مصر.

ويبقى التساؤل هل يمكن بعد كل هذا الدور الوطني والقومي العظيم الذي يلعبه الفن المصري ألا يكون الفن والفنانين المصريين في بؤرة استهداف الصهيونية العالمية بمساعدة الجماعات الإرهابية، والخطاب الديني المتطرف؟ الإجابة هي نعم بكل تأكيد فالهدف من هذا المخطط هو إزاحة مصر من على عرش الثقافة العربية لتسهل عملية تقسيم الوطن العربي إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وعرقية وقبائلية.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط