الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شعب عفرين "اذْهَبْ أَنتِ وَرَبُّكِ فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ"


ما أشبه الأمس باليوم والتاريخ بالحاضر الذي نعيشه لحظة بلحظة ويُبعث من جديد مع تكرار لمشاهده وإن كان بإصدار جديد حسب الألفية الثالثة التي نعيشها.. تطورت التكنولوجيا والمعلوماتية حتى غزت كل ما يدور حولنا وفي أنفسنا، ولكنَّ منطق العقلية بقيت هي هي، ولم يصبها أي تطور وكأنَّ ما يحدث حولنا هو شاهد في كوكب آخر أو فيلم تاريخي ولا نملك شيئًا غير التأفف والرحمة وانتظار ما سيحصل.

منطق عقلي يُصرّ على التعنت والبقاء كما هو ويجاهد كثيرًا كي لا يطرأ عليه أي تحول وتغيير نحو الأفضل، خوفًا من المجهول الذي لم ندركه بعد.. الذي ربما يحمل بين جنباته خسارة الـ "أنا" المقدسة والفردانية المقيتة والانتهازية الليبرالية المنحطة، التي نمضغ من خلالها لبان وعلكة الهزيمة الداخلية على أنها نصر ما بعده نصر.

إنها عواقب العقلية الاستشراقية الغربية التي تم حقننا بها وبتنا منفردين مشتتين لا نثق بذاتنا أبدًا لأننا جهلة وبرابرة ومتوحشين ومستهلكين ورعية كما تم تصويرنا وإقناعنا من "الآخر" الغرب الرأسمالي المتطور، المبدع، الأليف،الجميل والراعِ. متناسين أننا حينما كنَّا "نحن" لم يكونوا "هم" متواجدين.. المشكلة التي نعاني منها هي أننا في خصام تاريخي مع ذاتنا التاريخية ووجب علينا رجمها والتبرؤ منها وتقليد الغرب الذي يقتلنا ويجوعنا وينحرنا باسم الديمقراطية وحقوق الانسان والمساواة والشرعية الدولية.

لذا، علينا ألا ننتظر المدد من الآخر قبل أن نؤمن به نحن من داخلنا الذي هو السبب الرئيس في النجاح والنصر، الايمان الداخلي والعقل والإرادة الحرة هي المعين في تحديد العدو من الصديق، علينا أن نكون أصدقاء ذاتنا قبل الآخر، والذي ينتظر الرحمة من المستبد فلن يكون مصيره سوى الانتظار أمام عتبة مقصلة التاريخ.

بالأمس كانت مذبحة الأرمن على يد العثمانيين وبعدها اليهود على يد النازيين والفلسطينيين على يد الاسرائيليين واليوم الكرد على يد الفاشيين من الأتراك ومرتزقته في عفرين.

حينما يتم التزاوج غير الشرعي فيما بين العقلية القوموية الشوفينية وبين العقلية الدينية المتطرفة، حينها النتيجة الحتمية التي ستكون هي المذابح والإبادات الجماعية بحق المجتمعات والشعوب. وكل ذلك تم عبر التاريخ ويتم الآن باسم الحفاظ وحماية الأمن القومي لدولة الاستبداد والفاشية. انقرضت العثمانية المقيتة ولكنَّ الأرمن بقوا وكذلك انتحر هتلر وبقي اليهود وأيضًا ستزول فاشية القادة الاسرائيليين والأتراك وسيبقى الشعب الفلسطيني والكردي على أرضه شامخًا ورمزًا للنضال والحق.

كل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الشعب في العيش والحياة بكرامة تعيش كالنعامة تمرغ رأسها بالرمال ولا ترى ما يحدث للشعوب من قتل ونحر وتدمير، وكأنَّ كل ذلك لا يعنيها بقدر ما هو مطلوب منها في الحفاظ على مصالح القوى الرأسمالية المقيتة النَّهابة لخيرات الشعوب.

وهذا ما يذكرنا بالتاريخ وكأننا نعيشه بكل تفاصيله حينما دعا سيدنا موسى قومه كي يكونوا معه عونًا لقتال المتكبرين والظالمين، إلا أَّنهم فضلوا الحياد والانسحاب على المقاومة خوفًا على مصالحهم الفردانية والشخصية على مقاتلة المستبد وقالوا لسيدنا موسى "فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ".

عفرين الآن تعيش اليوم السابع والخمسين في مقاومتها الفاشية العثمانية الجديدة المتمثلة بأردوغان ومرتزقته وارهابييه من القاعدة والنصرة وداعش.. تقاوم عفرين لوحدها كما سيدنا موسى حينما فصلهم الله عن قومه الفاسقين. اليوم أيضًا نفس الفاسقين الذين ينتظرون سقوط عفرين كما انتظروها في كوباني ويدعون ليلًا ونهارًا لنصرة أردوغان الخليفة الحقيقي والأب الروحي للارهابيين. لكن التاريخ أيضًا يقول لنا أنه لا نصرة للفاسقين وأن النصر دائما حليف المقاومين والمؤمنين الذين هم على حق.

ستنتصر عفرين على الفاشيين والفاسقين والمنافقين من المؤسسات والمنظمات الدولية التي تتشدق بحقوق الانسان والديمقراطية وكذلك على المؤسسات الدينية التي تعاني من المرض العقلي والنفسي والاغتراب، وكما يُقال "ليس على المريض حرجٌ". وما علينا سوى الدعاء للمريض في الشفاء العاجل كي يقوم بما يقع على عاتقه من واجبات ومهام. وحتى ذلك الوقت ستنتصر عفرين وربما يكون هذا النصر هو الترياق الذي سيُشفي المؤسسات الدولية والدينية من المرض.

وإنَّ غدًا لناظره لقريب.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط