الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انتخابات رئاسية.. بل عبور جديد


أفرزت الانتخابات الرئاسية المصرية خلال الأيام الماضية في الداخل والخارج عدة حقائق وظواهر يقتضي التوقف عندها لاستخلاص دروسها واستشراف صورة المستقبل المصري على ضوء هذه الدروس.. ومن أبرزها :

أولا.. في المكان : لو جرت هذه الانتخابات في سويسرا على سبيل المثال وليس الحصر لكانت إجراء موسميا طبيعيا في بلد لا يعاني من التحديات ولا تطال التهديدات مقوماته وثبات مؤسساته العاملة ، ولكنها جرت في مصر التي تتعرض منذ 2011 ولا تزال لأخطر مشروع دولي بأدوات إقليمية ومحلية يستهدف مصير كيانها الوطني الراسخ منذ اكثر من 6 آلاف عام . 

إن هذا المشروع ليس مخفيا فهو مدرج في كتب ودراسات استراتيجية دولية ومؤتمرات تنفيذية وتقارير إعلامية ومواقف سياسية ، ومن يريد الاطلاع عليها يمكنه مراجعة دراسة استراتيجية اسرائيل لما بعد الثمانينيات لأوديد بينون وكتاب نحو شرق أوسط جديد لشيمون بيريز وتوصيات مؤتمر القدس عام 1982 وتصريحات رئيس السي.اي.ايه عام 2005 ودراسات معهد بروكينغز منذ بدء الألفية الثانية ، وتقرير هارت رومان عام 2002، ومذكرات هيلاري كلينتون، والتقارير الاعلامية في واشنطن بوست ونيويورك تايمز، وسوى ذلك كثير مما نشر في السنوات العشر الأخيرة .

وتتمحور كل هذه المخططات حول برنامج محدد ملخصه تقسيم المنطقة العربية بدءا من مصر إلى دويلات متصارعة فيما بينها ومرتبطة بأكملها في المحور الاطلسي اقتصاديا وتسليحيا وسياسيا، بعدما يتم تدمير مؤسساتها وخاصة الجيش والمرافق الاقتصادية الهامة علاوة عن اشعال الانقسامات الدموية في داخلها طائفيا وعرقيا على ان يؤدي ذلك إلى ضرب الهوية الوطنية وسلخ المواطنين عن حضارتهم وقيمها الدينية والقومية ..هذه هي طبيعة المشروع المعادي الذي تعرضت له مصر، باعتبارها واسطة العقد في دنيا العروبة والإسلام .

ثانيا.. في الزمان: لقد جاءت هذه الانتخابات عام 2018 ، بعد سنوات سبع شهدت مصر خلالها ومعها المنطقة العربية والعالم سلسلة متغيرات ، أبرزها على الإطلاق عودة ما يسمى بالمسألة الشرقية بطبعة جديدة، إلى تصدر المشهد في المنطقة العربية بعدما كانت قد تصدرته عام 1905 في مؤتمر كامبل بانرمان الذي مهد الطريق أمام معاهدات سايكس بيكو التي رسمت حدود معظم الدول العربية الحالية .

والطبعة الجديدة للمسألة الشرقية تختلف عن سابقتها بتغير الرواد واللاعبين حيث تزعمت الولايات المتحدة المجموعة العالمية بدلا من بريطانيا فيما أضحت اسرائيل لاعبا أساسيا فوق المسرح بعدما كانت كومبارس في الكواليس ،وبذلك أصبحت مصر ومعها الأمة كلها ساحة تدخلات دولية مباشرة منذ 2011 شارك فيها الأمريكيون والروس والصينيون والأوروبيون والأتراك والإيرانيون والإثيوبيون والإسرائيليون في سباق محموم للتأثير ومصادرة القرار الوطني وممارسة الضغوط بمختلف أنواعها بغية رسم خرائط جديدة تحل فيها الدويلات مكان الدولة الوطنية.

وإذا كانت هذه التدخلات كلها قد نجحت نسبيا في دول عربية أخرى فإنها في مصر اصطدمت بحائط صد شعبي جارف هو ثورة 30 يونيه التي أعادت مصر إلى أهلها وحولتها من ساحة مستباحة إلى ميدان مواجهة يومية للدفاع عن حرية واستقلال القرار الوطني وهو الذي شكلت الانتخابات الرئاسية أحد أبرز وجوهه.

ثالثا.. في الوقائع: لم يكن حائط الصد المصري بوجه المشروع الدولي التقسيمي واستنساخ المسألة الشرقية، دفاعا عن مصر فقط ، فهو حصن الدولة الوطنية في مصر ولجم اندفاعة المشروع للفتك بدول عربية أخرى.. لقد كانت دمشق على وشك السقوط خلال ساعات قليلة حين دخل جون كيلي وزير الخارجية الامريكي الأسبق إلى اجتماع في مدينة نيس الفرنسية عقب ثورة 30 يونيو في مصر بخمسة أيام وكانت مجموعة إسقاط دمشق التي ضمت وزراء خارجية ومسئولين عربا وأوروبيين تنتظره لبدء الهجوم على العاصمة السورية بعد ست ساعات .. لكنه أوقف العملية برمتها وسألهم: ألم تسمعوا بما حدث في مصر ؟ وكانت بغداد تعاني وتترنح تحت ضربات داعش لكنها ما لبثت أن شنت على الإرهابيين ضربات صاعقة دفعتهم الى التقهقر فأصدرت داعش بيانا اتهمت فيه الصاعقة المصرية بنصرة الحكومة العراقية.

وكانت طرابلس الغرب تتجه نحو انفجار بركاني يؤدي إلى تقسيم ليبيا ثلاثة اجزاء تابعة لفرنسا وايطاليا وبريطانيا فأجهضت مصر هذا المشروع.. وكانت فرق من الاسطول الايراني تتمركز في باب المندب لنصرة الحوثيين ضد السعودية فإذا بالبحرية المصرية تنذرها خلال أقل من ساعة بالانسحاب الفوري وهو ما حصل .. وغير ذلك من الاجراءات التي تدخل مصر في سجل الشرف القومي العربي.

حائط الصد المصري لم يكتف بالدفاع فقط على الصعيد المصري الوطني وإنما بادر بالهجوم كخير وسيلة وحول مصر من "جائزة كبرى" حسب المخطط الاجنبي إلى بولدوزر كبير يهدم مفاصل هذا المخطط ويحطم حلقاته واحدة تلو الأخرى.

طبعا، هذا لم يعن أن أصحاب المخطط استسلموا وتراجعوا ، بل إنهم اجتمعوا على محاولة معاقبة مصر وتدفيعها ثمن تمردها على من اعتبروا أنفسهم "ولاة أمر" وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي يوجه إلى هؤلاء قبل المصريين رسائله التي تقول إن "مصر أد الدنيا" وأن قرارها ينبع من شعبها فقط وان وزير خارجية امريكا يفتش قبل دخوله قصر الاتحادية وان صفقات السلاح مع فرنسا وروسيا والصين تصل إلى القاهرة في الوقت الذي يزور فيه رئيس مصر واشنطن وأن العلاقات بين مصر والسعودية أمتن وأقوى من غرف فبركة التسجيلات في واشنطن واسطنبول والدوحة .. وأن مخطط تقسيم مصر الذي بدأ خلال تسلط الاخوان باحراق الكنائس وتهجير المسيحيين وبالعزف على الموضوع النوبي انتهى إلى غير رجعة فالمسلم المصري يتبرع بدمه لأخيه المسيحي والعكس صحيح.

 
أصحاب مشروع التقسيم والفوضى الخلاقة حاولوا ولا يزالون معاقبة مصر بالحصار الاقتصادي وضغوط البنك الدولي وبالحصار المائي وبأبواق حقوق الانسان المتنقلة بين امريكا وأوروبا وفوق كل ذلك بحرب إرهابية مفتوحة تستهدف التدمير وإحداث الفرقة داخل الجيش وبين الجيش والشعب وبين الجيش والشعب والقيادة لكن الرئيس السيسي تعامل مع كل هذه الحروب بحكمة وبشجاعة وبحزم، فشق طريق التنمية والمشروعات القومية وسط حقول الالغام وأعاد بناء الجيش كأكبر قوة ضاربة في المنطقة وأصر ، رغم قساوة المواجهة، على استئصال الفساد، وكان يصبر ويتحمل بألم كبير أنين الناس ثم يأخذ بيدهم إلى مفاتيح الأمل.. وهو يراهن على ان شعب مصر يدرك بحسه العميق حقيقة ما يواجهه وأنه سوف يلبي نداء التحدي وينتصر لبلده.

لقد كانت الفترة الرئاسية الأولى أشبه بمن يحفر في الصخر ليرسي مداميك البناء والامن واستقلال القرار الوطني وسط عالم ملتهب لا يعترف بغير القوة ، وستكون الفترة الثانية بمثابة الحصاد لما تم زرعه، والحصاد يتطلب زنود الرجال ، ومسابقة الزمن ، والرئيس السيسي صدق مع الناس عقب اعلان ترشحه بأن ما ينتظرهم هو العمل والتعب من أجل مصر .. وجاءت الانتخابات الرئاسية وسط كل العوامل الصعبة التي أحاطت بها لتفاجئ العالم بأن في مصر شعبا يقاوم التحدي وينتصر ويجعل نصب عينيه وطنه اولا.

إنها لم تكن مجرد انتخابات .. بل عبور جديد صنعه المصريون باتجاه بناء وطن قوي وحر وكريم .
 
وسيذكر التاريخ ان سيدة مصرية هددها زوجها بالطلاق ان انتخبت فنزلت وقالت قد أجد زوجا بديلا لكنني لن أجد أبدا وطنا بديلا..بمثل هذه الروحية تحيا مصر وتنتصر..فدولة الباطل ساعة ودولة الحق حتى قيام الساعة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط