الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عمرو عادل يكتب.. المليونير الفقير عبقري أم محظوظ‎

صدى البلد

جمال مالك .. هل هو مخادع ؟ .. محظوظ ؟ .. عبقرى ؟ .. ام هو القدر ؟ أسئله تطرح عليك كمشاهد قبل متابعة فيلم المليونير الفقير للمخرج العالمى دانى بويل و الذى اراه ليس مجرد عمل سينمائى بقدر ما هو دعوة لمراجعة النفس فى كثير من الأشياء .. فما حدث مع جمال ربما يحدث معك انت .

لنبدء بمحور الاحداث .. من هو جمال مالك ؟ .. هو شاب لا يجيد القراءة و الكتابة و يعمل ساعى فى احدى الشركات مر بطفوله بائسه هو و اخيه بعد فقدانه لوالدته فى حادث طائفى و عانى من التشرد و أصبح هدفه من الطفوله الى الشباب ان يكافح من أجل ان يعيش .. ترفق به القدر و تعرف على حبيبته لاتيكا أثناء الطفوله الا انها اختفت و كلما حاول البحث عنها تحدث صعوبات فى لقائها .. أشترك فى برنامج من سيربح المليون .. و فى أول مراحل المسابقه طلب مساعدة الجمهور لجهله بالاجابه .. كل هذه المواصفات تؤكد حتمية خروجه بسهولة من البرنامج .. الا أنه يا للعجب يستكمل المسابقه للنهايه .. ليست لمعرفته الاجابات نتيجة اطلاعه و معرفته و لكن لأن اجابة كل سؤال كان يمثل مرحلة ما فى حياته الى ان يصل الى السؤال الأخير .

ينقلك الفيلم مع كل سؤال بفلاش باك عن حياة جمال ليحكى موقف مر به لتستطيع ان تحصل منه على اجابة السؤال .. هذه النقطة تجعلك تفكر عن حياتك أنت .. قد تكون مررت بالكثير من المواقف منها السعيد و منها البائس و لكنها تترك لديك أثرا ما لا تستطيع نسيانه .. قد تكون ذكريات سيئة .. و لكن ما المانع ان تكون يوما ما ذات قيمة فى حياتك .. انا لدى ايمان ان الله قد يرسل اليك علامات ربانيه طوال مشوار حياتك حتى و ان كنت قد لا تتمناها او لا تفهم معناها او مغزى الحكمة منها لأن اوان استيعابها لم يحن بعد و لكن كن على ثقه انك فى الوقت المناسب سوف تفهم و تحمد الله .. و هذه القناعه تتجسد فى هذا العمل فكل ما مر به البطل من أحداث حتى و ان كأنت مأساويه ترجمت امامه فى شكل أسئلة ليصبح مليونيرا .

نقطة أخرى يتحدث عنها العمل .. و لنبدأها بسؤال .. أيهم أقوى الحب ام المال ؟ .. سؤال ليس سهلا و سيثير الكثير من الجدل .. لما لا نحاول ان نستشف الاجابة من الفيلم .. فجمال كان هدفه الرئيسى ليس الفوز بالجائزة و الحصول على الاموال و لكن بمشاركته فى برنامج شهير قد يسهل على حبيبته المفقودة الوصول اليه .. أتصدق هذا ؟ .. و نتيجه لتمسكه بالحب كافئه القدر بالاثنان بحبيبته و الاموال , فى نفس الوقت الذى اهتم أخيه بالاموال فقط و فقد حياته بسببها .. اذن ينصحك الفيلم بالتمسك بالحب اولا و الباقى سيرسله الله اليك تباعا .. و ربما فى واحدة من أقوى المشاهد فى الفيلم و هو السؤال الأخير و عدم معرفته الاجابه و طلبه الاتصال بصديق فيفاجئ على الهواء بصوت حبيبته هى من ترد عليه و تطمئنه عليها .. و على الرغم من عدم معرفتها الاجابه .. الا ان سماع صوتها فقط كان دافعا له لاستكمال المسابقه و المغامرة .. ربما لانه شعر ان اطمئنانه على حبيبته أهم و أقوى من المال الذى سوف يأتيه فمهما كانت النتيجة فهو الرابح .. و ربما لانه شعر ان لعبة القدر بدأت معه منذ طفولته الى جلوسه على كرسى المسابقه و سوف تستكملها معه الى النهايه .

نقطة ثالثه و هى مفهوم القناعه و صراعها مع الطمع .. يقال ان القناعه كنز لا يفنى .. فتتجسد هذه القناعه فى شخصية جمال فهو اراد ان تكون حياته بسيطة و شريفه و ابتعد عن طلب أخيه بالعمل معه فى مجال الجريمة .. اختار الحب و ترك الأموال .. حتى مشاركته فى برنامج لربح المال كان لهدف بسيط و هو الوصول لحبيبته و حصل على الاثنان .. اما على النقيض فأخوه سليم يحقق المقوله الطمع يقل ما جمع فسار فى طريق الاموال و حاول الاستحواذ على حبيبة جمال .. فخسر المال و خسر الحب حتى و خسر حياته .

اما النقطة الاخيرة هى فكرة تطور الحب عبر المراحل العمريه المختلفه .. جلست افكر فى هذه النقطة تحديدا فحب جمال للاتيكا بدء منذ الطفوله و استمر للمراهقه و حتى الشباب و رغم اختفاءها عنه لتتابع الاحداث فى المراحل الثلاث الا انه ظل مخلصا لهذا الحب و لم يستسلم و استمر فى البحث عنها .. فهل نتيجة الحياة البائسة التى واجهوها سويا هى ما رسخت هذا الحب بينهم كتعويض عن الظروف الصعبه التى مروا بها .. لا ادرى التقييم الفنى للعمل

اذا بدأنا بقصة الفيلم فهى مبتكره .. فتوظيف برنامج شهير كمن سيربح المليون فى عمل سينمائى و درامى هى فكرة عبقريه بكل المقاييس فنحن احيانا نشاهد برامج معروفه تتخلل احداث بعض الأفلام السينمائيه لكن فكرة وضع برنامج كمحور للفيلم فأعتبرها هى التميز ذاته .

اما اذا انتقلنا الى الاخراج فدائما انا لا انكر اعجابى بأسلوب الفلاش باك اذا تم توظيفه بالشكل الأمثل و هذا ما حدث فى العمل .. فالمخرج دانى بويل لا ينقلك الى ماضى الابطال فقط و لكنه ينقلك للمقارنه بين الهند القديمه " فترة الطفوله " المتمثله فى الفقر المدقع و الهند الحديثه " فترة الشباب " ذات الثورة الصناعيه و التكنولوجيه و يقدم لك نظرة واقعيه من داخل المجتمع الهندى فى طريقة المعيشه .

و اذا تحدثنا عن الاداء التمثيلى .. فلدينا ثلاث مراحل مختلفه من الشخصيات او ثلاث مراحل من الحب لنكون اكثر دقه .. فأختيار المؤديين للاطفال كان بارع .. فعندما ارى اداء جمال الطفل و حبه للاتيكا اشعر انه حب طفولى ملئ بالضحكات البريئة و ننتقل الى جمال المراهق و التى تتحكم فيه عواطفه للبحث عن حبيبته و عندما أصبح شابا نما عاطفته و حبه الى درجة اقدامه على الظهور فى برنامج شهير ليتوصل اليها .. و لا استطيع اهمال دور الممثل الشهير انيل كابور فى دور بيرم مقدم البرنامج و الذى يتحاور مع جمال فنرى تناقضاته بداية من الاستخفاف به الى الشك فى جمال انه يخادع و محاولة ازاحته من المسابقه و فرحه بعد تأكده من برائته و من قوة ادائه فكرت كثيرا و لما لا يكون هو مقدم النسخه الهنديه من البرنامج الشهير فهو بارع حقا فى المحاورة .

و أخيرا .. الموسيقى التصويريه بلمسات المبدع ايه ار راحمان .. فهو يقدم لك تحفه موسيقيه متنوعه بين ايقاعات هادئه و متسارعه تزامنا مع المشاهد الرومانسيه او المثيرة مع تعمده اضفاء لمسات من الفلكلور الهندى .

و فى الختام نعود الى السؤال المطروح فى أول المقاله .. برأيك الان .. و بعد ان تعرفت عن جمال مالك عن قرب .. فهل أصبح مليونيرا لانه عبقرى ؟ ام مخادع ؟ ام محظوظ ؟ .. ام انه من أفعال القدر .