الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قوافل الشهداء.. وملحمة الفداء والبطولة في الجيش المصري (1)


يتحدون جميع المشاعر الإنسانية.. يستقبلون خبر استشهاد أحد أفراد الأسرة بالتكبير والتهليل وأحيانًا الزغاريد.. ولم لا وقد صنع شهيدهم مجدًا تتوارثه الأجيال ليبقى أبد الدهر سجلًا مشرفًا في التضحية والبطولة وقد رفع رأس عائلته إلى عنان السماء مع صعود روحه الطاهرة إلى بارئها.. ثم تأتي سيمفونية "افرحي يا أم الشهيد دلوقت في احلي نشيد.. لم يمت من مات لله ويا أقصاه المجيد" لتحول دموع الحزن إلى فرحة غامرة ربما تفوق زفة العريس في يوم عرسه .

وتضعنا هذه الحالة أمام تركيبة نفسية فريدة من نوعها ربما لا تصادفها إلا في أرض الكنانة مصر.. حيث تجد بشرًا يستحبون الشهادة في سبيل الله والدفاع عن الوطن على الحياة وسط مخاطر تحيق ببلدهم الأمين مصر.

واستمرارا للحرب المقدسة التي يخوضها أبطال القوات المسلحة البواسل ضد العناصر والتنظيمات الإرهابية.. لا تتوقف قوافل الشهداء الذين يبذلون دماءهم وأرواحهم فداءً لكل حبة رمل وتراب في بلدهم.. ويذخر سجل فدائي الجيش المصري ببطولات وقصص هؤلاء الأبطال، ومن بين هذه المحطات البطولية التي لا تنسى والتي تمتلئ بها صفحات النضال التي تزين كل الصحائف :



الشهيد احمد منسي

ولد أحمد منسي، عام 1978، في محافظة الشرقية، المحافظة التي أخرجت معظم أمراء الجهاد في تنظيمي داعش والقاعدة، مثل: أبو حمزة المهاجر، وأبو السمح، لكنّها على الجانب الآخر، أخرجت الشهيد أحمد منسي، والنقيب أحمد عمر الشبراوي، وأحمد محمد علي نجم، شهداء كمين البرث بسيناء .

التحق منسي بالصاعقة المصرية في أواخر التسعينيات، بعد تخرّجه من الكلية الحربية، ثمّ حصل على فرقة تدريب "سيل تيم" المصرية في دفعتها الأولى، وهي الفرقة الأكثر قوة في الجيش المصري، وهي محاكاة لفرقة (seal) الأمريكية، التي حصل عليها أيضًا أحمد منسي.

أحمد منسي، هو الشهيد الذي كان ينتمي إلى أكثر المجموعات القتالية شراسة في القوات المسلحة، وهي كتيبة تحيط أعمالها بالسرية التامة، إلّا أنّ المعركة التي استشهد فيها مع مجموعة قتالية تابعة للكتيبة 103، الوحدة الأبرز في الجيش المصري، كان حدثًا لفت انتباه الجميع، خصوصًا مع تلك الحالة التي انتابت المقرّبين من قائد الكتيبة أحمد منسي، الذين بدأوا في كتابة شهادات ونشرها على فيسبوك، سردوا من خلالها مواقف المنسي الإنسانية والبطولية، وكيف كان ذلك المقاتل شديد الإنسانية في التعامل مع الناس، في حياته خارج الجندية، ومحيط سكنه وأسرته، تلك الشهادات تنوعت بين كتابات من أفراد أسرته، أو زملائه، أو مقاتلين خدموا معه، توضح لماذا قرّر منسي أن يخوض معركة شرسة، استشهد فيها دفاعًا عن الوطن، متجاهلًا بشكل تام أية اهتمامات إنسانية مشروعة بالرغبة في الحياة والبقاء.

تولّى أحمد منسي، عقيد أركان حرب، مسؤولية الكتيبة عام 2016، بعد استشهاد القائد السابق لها العقيد رامي حسنين، وقد دفعت داعش من أجل الوصول إليه 40 قتيلًا، في معركة استخدم فيها التنظيم الإرهابي صواريخ الكورنت، والهاون، وقذائف (rbg)، ومدفعية مضادّة للطيران ورشاشات نصف بوصة، وهجومًا بدأ باقتحام عربية مفخخة للكمين، تحمل بضعة انتحاريين، غير أنّ ضباط الكتيبة وجنودها، صمدوا إلى أن سقطوا واحدًا تلو الآخر، مدافعين عن جثامين من سقط منهم.

الشهيد رامي حسنين

عين الشهيد رامى حسنين، ابن محافظة البحيرة، قائدًا لإحدى الكتائب بشمال سيناء، بعد عودته من المشاركة فى قوات حفظ السلام بالكونغو، فى 29 أكتوبر من العام 2016، وقد انتشر خبر على مواقع التواصل الاجتماعى كالعادة، يفيد باستشهاد بطل جديد من أبطال القوات المسلحة، إلا أن الصور التى صاحبت الخبر، والمعلومات التى بدأت تنتشر فى المواقع والصحف، أكدت أن الشهيد هو رامى حسنين أحد أبرز الضباط الذين يشاركون فى عمليات مكافحة الإرهاب بشمال سيناء ضد العناصر الإرهابية والمتطرفة، وأنه تم استهدافه يوم 29 أكتوبر، بعد مرور مدرعته بين حاجزى السدة والوحشى، جنوب الشيخ زويد، الواقعة بين مدينتى العريش ورفح على الحدود مع قطاع غزة.

تسجل السيرة العسكرية للشهيد العقيد رامى حسنين أنه ولد بمركز إيتاى البارود بمحافظة البحيرة، متزوج ولديه طفلتان هما «نورسين» 5 سنوات، و«دارين» رضيعة، وله ثلاثة أشقاء، وتخرج فى الكلية الحربية فى أول يوليو 1986، وانضم لسلاح المشاة، والتحق بسلاح الصاعقة دفعة 90، وحصل على ماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان، وتدرج فى المناصب العسكرية حتى شغل منصب قائد لإحدى كتائب قوات الصاعقة، بعد عودته من العمل فى قوات حفظ السلام بالكونغو.

وخلال فترة خدمته فى الصاعقة تدرج من قائد سرية وكتيبة، وسافر فى عدة بعثات خارجية شملت عدة دول منها إنجلترا وأوكرانيا وتونس، حصل خلالها على كل فرق الصاعقة الأساسية والمتقدمة، وبدأ العمل فى سيناء أواخر عام 2015.

والده الحاج محمد حسنين، قال إن الشهيد قبل سفره الأخير قضى يومًا كاملًا مع ابنته نورسين، وذهب إلى مقر قيادة وحدات الصاعقة بأنشاص، وصافح كل زملائه وقياداته، وفى اليوم التالى عاد إلى إيتاى البارود، وأنهى جميع المتعلقات المالية الخاصة به، وجلس مع زوجته الدكتورة رشا فريد، وابنتيه وكأنه يودعهن، وأضاف أن الشهيد كان يؤكد دومًا أنه وأصدقاءه من رجال الجيش، يحافظون على دماء الأبرياء فى شمال سيناء، ويعملون على تحرى الدقة فى قتال العناصر الإرهابية والمتطرفة، وأنه كان دائمًا يصلى ويحفظ القرآن، ويعمل على توجيه النصيحة إلى كل من يخالفه الرأى.

محافظة البحيرة لم تتأخر فى تكريم الشهيد وأسرته وأكدت المهندسة نادية عبده، محافظ البحيرة، أنه سوف يتم إطلاق اسم الشهيد على مدرسة وشارع بمسقط رأسه بمركز إيتاى البارود، تخليدًا لذكراه، وقامت بإطلاق اسمه على أكبر مدرجات كلية التربية بدمنهور.

الشهيد مصطفى حجاجي

ولا تختلف بطولة الشهيد الرائد مصطفى حجاجى حلمى محمد، الذى استشهد فى 18 يوليو 2015 فى ثانى أيام عيد الفطر، أثناء استهداف كمين أبورفاعى فى سيناء عن قصص كل الأبطال، لكن اللافت للنظر فيها أن يوم استشهاده هو نفس يوم تخرجه فى الكلية الحربية عام 2009، وكان ترتيبه الأول على دفعته 103.

المهندس وائل حجاجى، شقيق الشهيد، قال إن الشهيد كان دائم الحرص على تجميع أبناء دفعته للمشاركة فى أعمال الخير، وكان من المفترض أن يعود إلى بلدته قرية الشغب بالأقصر فى إجازة العيد، لكن ذلك لم يتحقق، ونال ما كان دائما يتمناه بعد أن طلب نقله للخدمة فى سيناء، خصوصًا بعد استشهاد المقدم أحمد الدرديرى، ابن مدينة إسنا المجاورة لقريتنا، فى الهجمات الإرهابية التى استهدفت كمائن عدة بشمال سيناء فى 1 يوليو 2015، وطلب من قيادته أن يحل محل الشهيد الدرديرى بالكمين.

وتابع شقيق الشهيد أن شقيقه رفض إبلاغ أسرته بخبر خدمته فى سيناء، خصوصًا أنه كان قائدًا لسرية مشاة ميكانيكا بمنطقة القنطرة، لكنه أبلغ أحد الجنود أنه «هو الشهيد اللى عليه الدور». وبالفعل، أحضر زملاؤه السيارة الخاصة به، وكانت بها جميع متعلقاته كما وضعها بنفسه، مشيرًا إلى أن أحد المجندين كان معه لحظة استشهاده، وقال إن هناك قذيفة سقطت فجأة على الكمين فى ثانى أيام العيد، والوحيد الذى نطق الشهادة أكثر من مرة هو الشهيد مصطفى حجاجى.

وأوضح شقيقه أن أسرة الشهيد مكونة من 5 أشقاء، منهم 3 مهندسين وطبيبة، إلى جانب أصغر أشقائه الذى التحق بالكلية الحربية بناء على رغبة والدته، التى أصرت على ذلك، وقالت: «إنه هيجيب حق أخوه الشهيد»، مؤكدًا أن هناك مبنى داخل الكلية الحربية أطلق عليه اسم شقيقه إلى جانب إطلاق اسمه على مدرسة داخل القرية.

وكشف أحمد الضيفى، صديق الشهيد، عن محادثة دارت بينه وبين «مصطفى»، قبل استشهاده، أكد له خلالها أنه فى طريقه إلى الشيخ زويد قائلا: «خلى أمك تدعيلنا»، مضيفا أن رده كان: «متسميش على حد ولع فيهم وخلى بالك من نفسك».

وأضاف «الضيفى» فى حزن: «لما قولتلى يا مصطفى المقدم درديرى استشهد والدور عليا قولتلك متقولش، كده خد بالك، كنت حاسس وعارف قبلها بكتير، مش عارف أزعل إزاى يا حبيبى، لأنك كنت معرفنى اللى هيحصل من قبلها، هتوحشنى يا حبيبى، والعروسة اللى كنا محتارين فى اختيارها ربنا اخترهالك في‏ الجنة، عروستك فى الجنة يا شهيد».

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-