الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ثقافة "دينلسون" و"خيل الحكومة"


في عام 1998 كانت هناك "معجزة" –حسبما اعتبرها الكثيرون- تجري على قدمين في الملاعب الفرنسية خلال مباريات كأس العالم، هذه المعجزة تمثلت بالنسبة للمشجعين في اللاعب البرازيلي دينلسون دي أوليفيرا، ذاك الذي كان يستطيع المرور من بين أكثر من لاعب متفننًا في المراوغة، يحرك جسده بانسيابية لا حدود لها، كان يحتفظ بالكرة طويلًا تحت ضغط شديد، هذا ما رأيناه في الأسطورة البرازيلية وبمجرد أن تصل الكرة تحت قدميه كنا ننسى نجوم مثل رونالدو وآخرين كانوا يملأون المستطيل الأخضر.

اكتسب دينلسون جماهيرية كبيرة، فكانت القلوب تخفق كلما حرك إحدى قدميه لاستلام الكرة، يسرق تركيز المشجعين الذين يستمتعون بكل لحظة وهو يخترق، يُحطم ويدمر دفاعات الفرق الأخرى، لكن هل يعرف أحدنا الآن ما المصير الذي واجهه هذا الرجل الأسطوري؟؟ هل نعلم ما الذي آل به حاله بعد تلك النجومية التي ما كانت لتنظفئ لو اجتمع العالم كله ضده؟؟.

قليل من البحث ستكتشف أن دينيلسون انتقل في صفقة كانت اللأغلى في تاريخ كرة القدم وقتها بعد تعاقده مع نادي ريال بيتيس عام 1998، بمبلغ يقارب 21.5 مليون جنيه إسترليني، ولعب مع الفريق الإسباني 186 مباراة سجل خلالها 13 هدفا فقط، ولم يستطع إنقاذ النادي الذي هبط إلى دوري الدرجة الثانية الإسباني عام 2000 لنتقل بعدها بسنوات إلى نادي النصر السعودي باحثًا عن الأموال ليخسر بعدها كل شئ وأسوأ خسائره أن نسيته الجماهير.

كان دينيلسون يتمتع بمهارات فردية وقدرة عالية على المراوغة لكن هل نُقيم بناءً على ميزة واحدة في الإنسان ؟؟ ذاك اللاعب كان يفقد نشاطه سريعًا، يمر من بين اللاعبين ولا يفعل شيئا بالكرة، كل ما امتلكه من سحر كان مجرد لحظات تتمتع بها الجماهير، فخرجت أجيال كثيرة تؤمن بدينيلسون كلاعب لن يتكرر في التاريخ وتناسوا لاعب مثل رونالدو يمتلك القدرة على المراوغة، السرعة، التسديد، واتخاذ قراره دون تردد وتلك هي الصفات التي ميزت رونالدو عن ذالك الذي ذهب بحثاٌ عن الأموال في بلاد الآبار والنفط.

تشكلت ثقافة أجيال الثمانينيات وما قبلها بقليل على تلك الرؤية والنظرة، بأن تخطف انتباه الجمهور، وتجعل القلوب تخفق لما ستفعل ولما تقول، لكن ماذا بعد ذلك ؟؟ أين باقي مهاراتك التي ستجعلك تستمر في مواصلة النجاح والقدرة على إخضاع تلك الجماهير التي تحتاج دومًا إلى المتعة وتبحث عنها معك أو مع غيرك ؟؟ إذا قلبنا في كثير من الأسماء الآن ستجد "لا شيء" صعود سريع ممتع، وهبوط أسرع دون أن يشعر المتابع بأسى نحو الذي سقط تلك سُنة الحياة وهذه نتيجة الثقافة التي عاشت بها تلك الأجيال، عُشاق "ساحر اللحظات" دينلسون.

في المقابل ستظل أسطورة رونالدو زميله في نادي السامبا قائمة، لن تنساه الجماهير، مهما جاء من يفزعهم ويقيمهم ويُقعدهم من على كراسي المدرجات، فذاك نموذجًا تٌمتعهم سرعته، تسديداته، قدرته على إتخاذ القرار وسط دائرة من اللاعبين، وتلك أيضًا ثقافة أخرى تبناها أفراد –قليلون- من نفس الأجيال التي أتينا على ذكرها، تؤمن أن تعدد القدرات يخلق الابتكار، يُتيح النفاذ إلى الجماهير بأشكال مختلفة ولا يقتصر الأمر على مشهد واحد ستمل منه الجماهير آجلًا أو عاجلًا لأنه حتمًا ستضعف قدرات الشخص في هذا الجانب بمرور السنوات وسيظهر من ينافسه في نفس الإطار وبالتالي ينطبق عليه في النهاية المثل المصري : "زي خيل الحكومة".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط