الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حبات في العقد المصري الفريد!


في الوقت الذي امتلأت الساحة العربية بمحاولات لنزع الريادة المصرية في الأدب، في ثمانينات القرن الماضي، حيث علت أصوات كثيرة، تشيع تلك الفرية، وتؤكد أن الإبداع الأدبي ينضب بمصر، ويظهر في بلدان عربية أخرى، لم ننكر عليها يوما مبدعيها وأدباءها، يأتينا تكريم عالمي مستحق تمثل في منح كاتبنا الفذ نجيب محفوظ الجائزة الأهم في العالم "جائزة نوبل".

وكأني بهكذا منح - تأخر كثيرا - لأديب يستحق الجائزة أكثر من مرة لإبداعه الفذ الهائل، كأني به رد قاس لهذه الأصوات، مؤكدا ريادة مصر الدائمة في المجال الأدبي، والتي لا يماري فيها ممار، فالساحة الأدبية العربية تشهد بذلك، ولعل تعليق أديبنا نجيب محفوظ ذاته على منحه الجائزة حينما أكد أن هناك من هم يستحقونها قبله، وذكر كل من أمير الشعراء أحمد شوقي وعميد الأدب العربي طه حسين وعميد المسرح العربي توفيق الحكيم، لهو تعليق كاشف يعكس ما لهؤلاء المصريين الأفذاذ من مكانة، وما للأدب المصري من سطوة، وما للإبداع المصري من دور.

وفي سنوات عربية عجاف، لم يسهم فيها العقل العربي بإسهامات معتبرة في المجال العلمي، واتهم الإنسان العربي في تكوينه العقلي، وكأني بالأعداء يصنفوننا في رتبة أقل من الإنسان الباحث المفكر، يخرج لمصر العظيمة شهادة بأنها لا يمكن أن تُقْصَد بسوء في عقل أبنائها، فتمنح أعظم جائزة علمية "جائزة نوبل" لعالمنا الفذ الراحل أحمد زويل الذي يدهش العالم بالفيمتو ثانية، ليغير مفاهيم الجزيء والذرة والنواة، ومن ثم العالم والكون كله، ليظل زويل – حتى بعد رحيله عن الدنيا – شاهدا على نبوغ العقلية المصرية، ويظل شاهدا على عبقرية تلك العقلية، التي يمكن أن يعتريها بعض الوهن، ولكنها تبقى أصيلة، ما تلبث تعود في كامل قوتها، وكل عنفوانها، تسهم في المضمار العلمي بسهم وافر، تحقق من خلاله للبشرية ما تنشد من آفاق.

وفي زمن يسخِّر الجميع فيه علمه وقدراته لمكسب مادي، يجني من خلاله المال الوفير، ويحقق ثروة هائلة، في عصر سيطر فيه المال على كل شيء، وأصبح المرء يقاس بما يملك منه، والدول تُعامَلُ بما لديها من أرصدة، وما تمتلكه من صناديق سيادية، فيسعى الفرد، خاصة لو كان فذا في مجاله ويقصده الناس من كل مكان في الكرة الأرضية، إلى جمع المال بأكبر قدر ممكن، ذلك الذي يمكن أن يتفق فيه الجميع، إلا أن لمصر – من أبنائها خصوصية فريدة - فهنا يبزغ نجم مصري في سماء العالم متألقا، يمنح من قلبه قبل يديه، ويعطف على المحتاجين، ويعيش بينهم زاهدا في متاع الدنيا من مال وشهرة، إنه الراهب الدكتور مجدي يعقوب، الذي يضرب مثلا في الإنسانية، مقدما مصر قبل كل شيء، فالرجل هو الأول في مجاله الطبي، وهو الذي يقصده كبار القوم في كل دولة للعلاج بين يديه، حال أصابهم مرض عضال في القلب، وهو الذي ملأ الدنيا شهرة، يضرب مثلا في التواضع، ويقدم نموذجا للعطاء، ويكون الزاهد في المال، المقيم بين الفقراء، مقدما كل ما يملك من علم ومال لهم.

وحينما ظن البعض أو بالأحرى الأغلبية أفول نجم الرياضة المصرية نتيجة لعوامل كثيرة، في مقدمتها الركود العام في جميع المجالات بعد أحداث يناير وما ترتب عليها من ثورة على جماعة الإخوان، وما تبعها من عمليات إرهابية، وإذا بنجم نجوم العالم يخرج من مصر، إنه الفذ محمد صلاح، ليصعد بمصر لكأس العالم بعد غياب ثمانية وعشرين عاما، ويقدم مستوى رياضيا فذا يزينه بأخلاق راقية، تعكس أخلاق تلك البيئة التي نشأ وترعرع فيها، في ريف مصر، الذي يمثل الأصالة المصرية في أبهى معانيها، ويعرض الفتى الرائع صورة بلاده أروع عرض، فيصبح أغنية تنشد في ساحات مدينة ليفربول والعالم، وتغني الجماهير له ولمصر، ويحقق الفتى كل ألقاب الكرة الإنجليزية في موسمه الأول مع الفريق الأحمر، ويخطو خطوات في طريق التتويج العالمي، فيشارك كبيري اللعبة: الأرجنتيني ليون ميسي، والبرتغالي كريستيان رونالدو، حديث العالم، وأمامه فرصة يوم السبت القادم ليكون الأوفر حظا في نيل جائزة أفضل لاعب في العالم – في حالة لم تحدث للاعب مصري أو عربي – وذلك حال فاز فريقه على النادي الملكي الإسباني ريال مدريد في نهائي دوري الأبطال الأوروبي، الذي ستشهده العاصمة الأوكرانية كييف باستاد مجمع أولمبيسكي الوطني الرياضي مساء السبت، والذي ستتوجه إليه أنظار مئات الملايين من العالم، متابعين لإحدى أهم المباريات في العالم، والتي سيشاهدها المصريون لأول مرة بعين المتعة والرجاء، وبقلب ينفطر عشقا ودعاء لابنهم الفذ محمد صلاح، الذي أصبح حديث الكرة الأرضية.

ستظل مصر ولادة، وستبقى مصر معطاءة، فالتراب الذي وطأته أقدام الأنبياء، والثرى الذي حرصته الملائكة، لابد وأن يطرح ثمارا يانعة، وأن يمنح للبشرية نماذجَ تحتذى، وأن يعطي للإنسانية من رحم نسائه الخصبة أمثلة تظل حية على مر الزمان.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط