الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحسن البصري.. السيرة العطرة والأقوال الخالدة


هو الحسن بن يسار البصري"21هـ -110هـ" الإمام العالم الزاهد، أنجب تلاميذ مدرسة النبوة المحمدية، أخذ العلم من منابعه الصافية وتبحر في الحكمة وصار اسم الحسن البصري مرادفًا للزهد والورع والأقوال الصادقة والعلم الرصين. 

هو عالم من علماء أهل السنة والجماعة يكنى بأبي سعيد، ولد قبل سنتين من نهاية خلافة عمر بن الخطاب في المدينة عام واحد وعشرين من الهجرة، كانت أم "الحسن البصري" تابعة لخدمة أم المؤمنين"أم سلمة"، فترسلها في حاجاتها فيبكي الحسن وهو طفل فترضعه أم سلمة لتسكته وبذلك رضع من أم سلمة، وتربى في بيت النبوة.

كما كانت أم سلمة تخرجه إلى الصحابة فيدعون له، ودعا له عمر بن الخطاب، فقال "اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس".

نشأ" الحسن البصري" في الحجاز بين الصحابة، ورأى عددًا منهم وعاش بين كبارهم، مما دفعه إلى التعلم منهم، والرواية عنهم، وحضر الجمعة مع عثمان بن عفان وسمعه يخطب، وشهد يوم استشهاده يوم تسلل عليه قتلته الدار، وكان عمره أربع عشرة سنة.

وفي سنة 37 هـ انتقل إلى البصرة، فكانت بها مرحلة التلقي والتعلم، حيث استمع إلى الصحابة الذين استقروا بها، وفي سنة 43هـ عمل كاتبا في غزوة لأمير خراسان الربيع بن زياد الحارثي لمدة عشر سنوات، وبعد رجوعه من الغزو استقر في البصرة حيث أصبح أشهر علماء عصره ومفتيها حتى وفاته.

كان الحسن البصري حسن الصورة، بهي الطلعة. شيخا مهيبا وعالمًا ورعًا.

قال محمد بن سعد عنه "كان الحسن فقيها، ثقة، حجة، مأمونا، ناسكا، كثير العلم، فصيحا، وسيما". وكان من الشجعان الموصوفين في الحروب، وكان المهلب بن أبي صفرة يقدمهم إلى القتال، واشترك الحسن في شبابه في فتح كابور مع عبد الرحمن بن سمرة.

وقال أبو عمرو بن العلاء: "ما رأيت أفصح من الحسن البصري".

وقال الغزالي: "وكان الحسن البصري أشبه الناس كلاما بكلام الأنبياء، وأقربهم، هديًا من الصحابة، وكان غايةً في الفصاحة، تتصبب الحكمة من فمه".

كان الحسن البصري يقول، نضحك ولا ندري لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا. فقال: لا أقبل منكم شيئًا، ويحك يا ابن آدم هل لك بمحاربة الله طاقة؟ إن من عصى الله فقد حاربه، والله لقد أدركت سبعين بدريًا- اي ممن شهدوا غزوة بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- لو رأيتموهم قلتم مجانين، ولو رؤوا خياركم لقالوا ما لهؤلاء من خلاق، ولو رؤوا شراركم لقالوا: ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب.

وقال حمزة الأعمى: وكنت أدخل على الحسن منزله وهو يبكي، وربما جئت إليه وهو يصلي فأسمع بكاءه ونحيبه فقلت له يومًا: إنك تكثر البكاء، فقال: يا بني، ماذا يصنع المؤمن إذا لم يبكِ؟ يا بني إن البكاء داع إلى الرحمة. فإن استطعت أن تكون عمرك باكيا فافعل، لعله تعالى أن يرحمك. ثم ناد الحسن: بلغنا أن الباكي من خشية الله لا تقطر دموعه قطرة حتى تعتق رقبته من النار.

وعن حفص بن عمر قال: بكى الحسن البصري فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني الله غدًا في النار ولا يبالي.

فقد كان شديد الخوف من الله يحاسب نفسه ويزن عمله بأشد ما يكون.

وروى الإمام الطبراني عنه أنه قال: إن قومًا ألهتهم أماني المغفرة، رجاء الرحمة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم أعمال صالحة. يقول أحدهم: إني لحسن الظن بـالله وأرجو رحمة الله، وكذب، ولو أحسن الظن بـالله لأحسن العمل لله، ولو رجا رحمة الله لطلبها بالأعمال الصالحة، يوشك من دخل المفازة أي الصحراء من غير زاد ولا ماء أن يهلك.

ذات مرة جاء شاب إلى الحسن فقال: أعياني قيام الليل فقال: قيدتك خطاياك. وجاءه آخر فقال له: إني أعصي الله وأذنب، وأرى الله يعطيني ويفتح علي من الدنيا، ولا أجد أني محروم من شيء فقال له الحسن: هل تقوم الليل؟ فقال: لا، فقال: كفاك أن حرمك الله مناجاته.

كان يقول رحمه الله: من علامات المسلم قوة دين، وجزم في العمل وإيمان في يقين، وحكم في علم، وحسن في رفق، وإعطاء في حق، وقصد في غنى، وتحمل في فاقة (جوع) وإحسان في قدرة، وطاعة معها نصيحة، وتورع في رغبة، وتعفف وصبر في شدة. لا ترديه رغبته ولا يبدره لسانه، ولا يسبقه بصره، ولا يقلبه فرجه، ولا يميل به هواه، ولا يفضحه لسانه، ولا يستخفه حرصه، ولا تقصر به نغيته.

كان الحسن البصري يصوم الأيام البيض، والأشهر الحرم، والإثنين والخميس من كل أسبوع.

وبسبب حكمته وصدقه فقد وضع ولايزال في مكانة عالية بين الأئمة الكبار..

سُئل أنس بن مالك عن مسألة فقال: سلوا مولانا الحسن، قالوا: يا أبا حمزة نسألك، تقول: سلوا الحسن؟ قال: سلوا مولانا الحسن. فإنه سمع وسمعنا فحفظ ونسينا. وقال أيضًا: إني لأغبط أهل البصرة بهذين الشيخين الحسن البصري ومحمد بن سيرين.

وقال قتادة، وما جالست رجلًا فقيها إلا رأيت فضل الحسن البصري عليه، وكان الحسن مهيبًا يهابه العلماء قبل العامة.

رأى الحسن البصري عددًا كبيرًا من الصحابة وروى عنهم مثل النعمان بن بشير، وجابر بن عبد الله وابن عباس، وأنس رضوان الله عليهم، ونتيجة لما سبق فقد لقبه عمر بن عبد العزيز بسيد التابعين حيث يقول: "لقد وليت قضاء البصرة سيد التابعين". أما السيدة عائشة رضى الله عنها، فعندما سمعته يتكلم قالت: "من هذا الذي يتكلم بكلام الصديقين؟".

عاش الحسن الشطر الأكبر من حياته في "دولة بني أمية" وكان موقفه متحفظًا على الأحداث السياسية، وخاصة ما جرّ إلى الفتنة وسفك الدماء، حيث لم يخرج مع أي ثورة مسلحة ولو كانت باسم الإسلام، وكان يرى أن الخروج يؤدي إلى الفوضى والاضطراب، وفوضى ساعة يرتكب فيها من المظالم ما لا يرتكب في استبداد سنين، ويؤدي الخروج إلى طمع الأعداء في المسلمين، ولأن الناس يخرجون من يد ظالم إلى ظالم، وإن شق إصلاح الحاكم فما زال إصلاح المحكومين يسير. أما إن كان الحاكم ورعًا مطبقًا لأحكام الله مثل عُمر بن عبد العزيز، فإن الحسن ينصح له، ويقبل القضاء في عهده ليعينه على أداء مهمته.

وكتب الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز ينصحه فقال: "فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد أئتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله فبدد المال وشرد العيال، فأفقر أهله وبدد ماله".

عاش الإمام الحسن البصري بسيرة عطرة فيها الكثير من المواقف والكلمات العظيمة التي كانت خير معين على التقوى والبعد عن الهوى.

وهى أقوال لا تزال تتلى على المنابر وسجلها التاريخ الاسلامي بكل فخر واعتزاز منها:-

قوله رحمه الله ثلاثة ليست لهم حرمة في الغيبة: فاسق يعلن الفسق، والأمير الجائر، وصاحب البدعة المعلن البدعة".

وقال الحسن البصري: نظرت في السخاء فما وجدت له أصلا ولا فرعا إلا حسن الظن بالله عز وجل ، وأصل البخل وفرعه سوء الظن بالله عز وجل".

وقال رحمه الله، المؤمن يعمل بالطاعات، وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن

وقال "لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب". كما قال"من دخل على صاحب بدعة فليست له حرمة". وقال رحمه الله: "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال".

كما قال رحمه الله "يا حُسن عين بكت في جوف الليل من خشية الله عز وجل".

كما قال رحمه الله: من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه، خذلانًا من الله عز وجل

وقال الإمام البخاري: قال الحسن البصري رحمه الله (أخذ الله على الحكام أن لا يتبعوا الهوى ولا يخشوا الناس، ولا يشتروا بآياته ثمنا قليلا، ثم قرأ (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيُضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب). وقرأ (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استُحفِظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء، فلا تخشوا الناس واخشون ولاتشتروا بآياتي ثمنًا قليلا، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)

وقال الحسن البصري: "من أخلاق المؤمن: قوة في دين، وحزم في لي ، وحرص على العلم، وقناعة في فقر، وعطاء في حق، وبر في استقامة، وفقه في يقين، وكسب في حلال".

وقال: لا يصح القول إلا بعمل، ولا يصح قول وعمل إلا بنية، ولا يصح قول وعمل ونية إلا بالسنة.

وقال رحمه الله:ما طلبت الجنة إلا باليقين ولا هرب من النار إلا باليقين، ولا أديت الفرائض إلا باليقين، ولا صبر على الحق إلا باليقين. وحين سئل أى الجهاد أفضل؟ قال: جهادك نفسك وهواك.

ومن أقوال الحسن البصري في الحكم والمواعظ الكثير والكثير مما يتدارسها الناس ويتذاكرونها حتى اللحظة وفي كل عصر..

فقد سمع الحسن رجلًا يقول: اللهم، أهلِك الفجَّار! فقال: إذًا تستوحش الطريق، ويقل المتصرفون.

وكان يقول: إن هذا الدين قويٌّ، وإن الحق ثقيل، وإن الإنسان ضعيف، فليأخذ أحدكم ما يطيق؛ فإن العبد إذا كلَّف نفسَه من العمل فوق طاقتها، خافَ عليها السآمة والتَّرْكَ.

وكان الحسن البصري يقول رحمه الله: احذر ثلاثةً، لا تمكِّن الشيطانَ فيها من نفسك: لا تخلُونَّ بامرأة ولو قلت: أعلِّمها القرآن، ولا تدخل على السلطان، ولو قلت: آمره بالمعروف وأنهاه عن المنكر، ولا تجلس إلى صاحب بدعة؛ فإنه يُمرِضُ قلبك، ويُفسِدُ عليك دينَك. وكان يقول: تفقَّد الحلاوة في ثلاثة: في الصلاة، والقراءة، والذكر، فإن وجدت ذلك، فامضِ وأبشِر، وإلا فاعلم أن بابك مغلق، فعَالِجْ فتحَه.

وكان يقول: لولا ثلاثة ما طأطأ ابن آدم رأسه: الموت، والمرض، والفقر، وإنه بعد ذلك لوثاب.

وكان يقول: أيها الناس، إنا والله ما خُلقنا للفناء، ولكنا خُلقنا للبقاء، وإنما ننقل من دار إلى دار.

وكان يقول: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "إذا مُدِح الفاسق، غضب الله تعالى".

وكان يقول: احذروا العابد الجاهل، والعالم الفاسق؛ فإن فيهما فتنةً لكل مفتون.

وكان يقول: لا تزالُ هذه الأمة بخير، ولا تزال في كَنَفِ الله وستره، وتحت جناح ظلِّه ما لم يرفق خيارُهم بشرارهم، ويُعظِّم أبرارُهم فجَّارَهم، ويَمِلْ قراؤهم إلى أمرائهم، فإذا فعلوا ذلك، رفعت يد الله عنهم، وسُلِّط عليهم الجبابرة فساموهم سوء العذاب، ولعذابُ الآخرة أشقُّ وأبقى، وقذف في قلوبهم الرعب.

وقيل: رأى الحسنُ البصري نعيم بن رضوان، يمشي مشيةَ المتكبر، فقال: انظروا إلى هذا، ليس فيه عضو إلا ولله تعالى فيه نعمةٌ، وللشيطان لعنة. وكان يقول: يحاسب الله سبحانه المؤمنين يومَ القيامة بالمنَّة والفضل، ويعذِّبُ الكافرين بالحُجة والعدل.

وكان يقول: ما أنصف ربَّه عبدٌ اتهمه في نفسه، واستبطأه في رزقه.

وكان يقول: لا شيء أَوْلَى بأن تقيده من لسانك، ولا شيء أولى بألا تقبله من هواك.

وكان يقول: من لم يجرب الأمور خُدِعَ، ومن صارع الحق صرع. كما كان يقول رحمه الله: ابن آدم بين ثلاثة أشياء: بليَّةٍ نازلة، ونعمة زائلة، ومَنيَّةٍ قاتلة.

عاش الحسن البصري ثمان وثمانين سنة، وتوفى رحمه الله يوم الخميس في الأول من رجب سنة 110 هجرية وكانت جنازته مشهودة، ويقع مرقده في البصرة بالعراق.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط