الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مقصلة الانتخابات


لم تبدأ الفوضى في راهننا مع بدء تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير بزعامة الدول الرأسمالية الغربية منها والشرقية، وما نعيشه الآن ما هو إلا حالة مكثفة منها ويُعبر عنها بالعنف بكل أنواعه وأساليبه. ويُقال إن القتال والعنف ما هو إلا تكثيف للعمل السياسي للوصول للنتيجة بأسرع وقت. والتباكي في مرحلة الفوضى هذه لا يعبر إلا عن حالة الإفلاس الفكري والثقافي الذي نعانيه منذ فترة ليست بالقصيرة، بل هي ممتدة منذ عشرات وربما مئات السنين التي ما زلنا فيها نندب حاضرنا ونتحسر على ماضٍ تولى ومستقبل سيكتب بأقلام ليست من صنعنا وأفكارٍ لا نؤمن بها.
إنها سيرورة التاريخ أو ما نعتقده بأنه تاريخ، ولكنه في الأساس ما هو إلا تكرار لنفس المسرحية العبثية التي كتبها هوميروس في "الإلياذة" ودانتي في "الكوميديا الإلهية" وكذلك داون براون في "ملائكة وشياطين". حيث الصراع هو نفسه ما زال قائمًا بين الآلهة لبسط نفوذها وهيمنتها وتقديم البشر كقرابين على مذابح السلطة تحت حجج الحروب المقدسة وإعلاء كلمة "الرب".
مأساة نكررها بالعنف والاقتتال لاختيار الأقوى منذ القِدم واليوم نكررها في الانتخابات أيضًا والتي من خلالها يتم سوق الناس نحو صندوق "الباندورا" الشفاف والذي سيتم تحديد الفائز من خلاله بعد أن يتم توقيع صك الغفران والعفو من قبل الضحية "الناخب" ويضع هذا الصك بيده في الصندوق، ولتبدأ من بعدها تنميل وتنميط المجتمع وجعله يعيش كالقطيع يسير خلف القائد الضرورة "المرياع" الذي يُتقن فن سوق الرعية نحو المقصلة لحماية مجد السلطان وسلطته من كل متربص وخائن وشرير وعميل لمجرد أنه يفكر في أن يكون ذات يومٍ من عليّة القوم.
كما أنَّ الشعوب لم تحصد يومًا ثمار تضحياتها في أي قتال وحروب أُدخِلت فيه لحماية "جلالته" من أي خطر داخلي وخارجي، كذلك لم تجنِ الشعوب شيئًا من توجهها لما يسمى "صناديق الاقتراع" والتي ما هي سوى حالة عبثية يتم من خلالها ترويض الشعوب على الإذعان والخنوع للأقوى وليس للأفضل وجعله يبحث فقط وفقط عن الاستقرار وإن كانت على حساب الكرامة والحرية.
ليخرج الانسان من بعد الانتخابات نحو حياة رتيبة لا جديد فيها سوى اجترار ما تم زرعه خلال الانتخابات التاريخية والتي لا علاقة لها بالتاريخ أبدًا لا من قريب ولا من بعيد. إنها فقط اختيار نفس الشخوص أو العقليات والتي لا همَّ لها سوى الفساد والسلطة والمال وليذهب المجتمع إلى الجحيم. ولتعض الشعوب أصابعها ندمًا على ما اقترفته من ذنبٍ سوى أنها كانت واثقة من حكامها الذين امتهنوا الخداع في زمن الفوضى.
هذا ما كان رأيناه في انتخابات لبنان وما نراه اليوم في العراق وما سنراه أيضًا في تركيا بعد أيامٍ قليلة. تكرار لما كان موجود في الأصل ولا جديد أفرزته الصناديق سوى المزيد من المشاحنات والصراع والاقتتال والتعمق في الفوضى والتي تنتظرها آلهة العصر الرأسمالي بهدف الربح الأعظمي على حساب آمال الشعوب في منطقتنا الشرق أوسطية.
للخروج من أية فوضى ليس من الضرورة اتباع نفس الأسلوب لأننا سنصل لنفس النتائج والتي لن يكون فيها الجديد، حينها ينبغي علينا البحث عن طرق أخرى وتجريبها ربما تكون هي البوصلة التي تهدينا على الأقل نحو الصواب.
المشكلة الرئيسية التي نعيشها ليست في النظم التي تحكمنا أو تبعيتها للخارج من عدمه، بل تكمن في الحالة الفكرية العقيمة التي نعيشها والتي لا تبحث عن الأفضل بقدر بحثها عن التكرار في الماضي بين كتب التراث القوموي والدينوي التي أثبتت فشلها في حل أية من المشاكل التي نعانيها. حينما نتخلص من حالة الأسر الفكري للمصطلحات التي اعتقدنا يومًا ما أنها مقدسة وضحينا بالغالي من أجلها، ربما وقتها يكون بمقدورنا السير نحو المستقبل.
مقصلة مصطلحات الانتخابات والتعصب القوموي والدينوي والجنسوي والمقدسات الهشة وغيرها الكثير، ينبغي إعادة النظر فيها وتعريفها وقراءتها من جديد ستكون حتمًا الخطوة الأولى للتغيير الفكري والعيش المشترك وأخوة الشعوب والتي ستؤثر بكل تأكيد في نتائج صناديق الانتخابات والتي تحولت إلى صندوق الـ "باندورا".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط