الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عبدالرحمن حجاج يكتب: عزيزي عادل إمام

صدى البلد

كنت عايز مقالي الجديد يكون عن فيلم بحبه، مش مقال نقدي على قد ما هو مقال عن حبي للفيلم، وبصراحة يا زعيم مفيش فيلم حبيت اكتب عنه على قد ما حبيت أكتب عن الحريف، لسه صوت اللهاث اللي في بداية ونهاية الفيلم وانت بتجري في ودني، بسمعك وافتكر فارس وحكايته، فا شكرا ليك على الفيلم ده.. يا حريف.

أحد أعظم أفلام عادل إمام أو ربما يكون الأعظم على الإطلاق في تاريخه الفني الطويل هو فيلم "الحريف" والذي لم يلق نجاحا جماهيريا كبيرا وقت عرضه عام ١٩٨٤، وحتى بعد عرضه بعدها بسنوات على القنوات الفضائية لم يستسغ الكثيرون فكرة الفيلم وكان معظم محبي عادل إمام يقولون دائما "عادل إمام يعني أفلام كوميدي وبس"، وهي في الحقيقة أكبر خطأ عرفه البشر فأفلام عادل امام الجادة تضاهي أفلامه الكوميدية وتنافسها بقوة وفي نهاية الأمر وبعد سنوات طويلة حصل الفيلم على حقه أخيرًا فقد تم اختياره ضمن قائمة أفضل مائة فيلم عربي حسب استفتاء النقاد والسينمائيين في مهرجان دبي السينمائي في دورته العاشرة لعام 2013.

فكرة الفيلم ببساطة شديدة تحكي قصة فارس "عادل إمام"، الذي يعمل بمصنع أحذية بالإنتاج بمعني أنه لا يعمل بمرتب ثابت بل بالإنتاج الذي يخرج من يديه مما يجعل أكل عيشه دايما في مهب الريح وعلى كف عفريت، يقيم بغرفة على سطح أحد المنازل بعد أن انفصل عن زوجته بسبب اعتدائه عليها بالضرب، ويعشق ممارسة كرة القدم (الشراب) في الساحات الشعبية مقابل المال مما يعرضه للرفد من عمله بسبب الإهمال وتبدأ حينها أحداث كثيرة له ولشخصيات الفيلم الكثيرين والذي رسمهم المبدع بشير الديك جميعهم بحرفية شديدة.

الحريف في المعجم تعني الشخص الذي يعمل بحرفة يدوية، ورغم أن الجميع كانوا يطلقون على عادل إمام لقب الحريف بسبب حرفته في كرة القدم إلا أنه في الواقع جاء تسمية الفيلم بسبب أن جميع أبطال الفيلم تقريبا يعملون كحرفيين، ليسلط محمد خان الضوء على فئة من المجتمع أصبحوا بفعل الزمن مهمشين ومنسيين ولكن وجودهم في الحقيقة أمر شديد الأهمية.

الحريف الذي لا يستطيع حتى أن يحزن، فهو يعيش حياته لكي يستطيع أن يلبي الاحتياجات الأساسية ليومه من أكل وشرب فقط، وفي مشهد عظيم حينما علم عادل إمام بوفاة والدته ذهب لأبيه ليخبره أن أمه ماتت ليجيبه الأب بابتسامه تحمل الكثير من الأسي "معاك سيجارة؟.. ما كلنا هنموت" ليظهر لك أن حقا تلك الفئة ليس لها الحق أن تحزن وتبكي مثل باقي البشر.

جاء تسمية عادل إمام فارس، لأنه حقا تمتع بأخلاق الفرسان الذين يعانون ولا يبوحون عما بداخلهم لكي تستمر الحياة، الفرسان الذين حصلوا على تهميش وتجاهل وتحقير غير محتمل، فأصبحوا نفسيات مشوهة تغص بالتناقضات، وجاء تسمية عبدالله فرغلي باسم رزق لكونه مصدر الرزق لفارس فهو من يأتيه بمبارايات كرة القدم وحتى ورغم كونه لصا لا يعطيه سوى الفتات في النهاية إلا أنه الرزق الوحيد المتاح في الوقت الذي يظلمه فيه صاحب الورشة.

فيلم الحريف حالة فنية لن تتكرر، يحكي عن الانهزام والانكسار والنجاح والفشل والحنين والحرية، فيلم ببساطة يحكي عن الشارع المصري بكل ما فيه من تفاصيل يصعب رصدها في عمل فني واحد رغم نجاح فيلم الحريف في رصدها بحرفية شديدة عن المواطن الذي لا يريد أي شيء سوى أن يعيش، ينتهي فيلم الحريف وفارس ما زال يلهث، كما ظل طوال الفيلم يركض، ونسمع لهاثه المتواصل وسعيه الدائم وراء الحياة.

عزيزي عادل إمام، شكرا تاني على فيلم الحريف، شكرا إنك عملت فيلم بيحكي عن الناس العاديين من غير أي فزلكة ومن غيراي فلسفة مقحمة على الفيلم، شكرا إنك عملت فيلم بطله هو الشارع مش أنت، شكرا إنك عملت فيلم مفيش حد عرف يعمل زيه حتى بعد مرور ما يقرب من الـ٣٥ سنة، وصدقني زمن اللعب.. لسه مارحش.