الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ميسرة السيد تكتب: غريبة في وطنها‎

صدى البلد

نشأت فتاة في أرض أجدادها التي تتسع لمئة مليون شخص إلا هى، أصبحت كالغريبة رغم مكوثها بوطنها التي طالما أحبته، ودافعت عنه حتى اتهمت بالخيانة العظمى؛ لأنها طالبت بتغيير الأوضاع إلى الأفضل، لم تكن تسعى إلى قلب نظام الحكم بل تغيير فكرة النظام عن الحكم. أضحت الفتاة منبوذة من قومها، تخلى عنها الجميع حتى الرجل الوحيد الذي أحببته بصدق لم يسع لمساندتها في شدتها.

حاولت الفتاة أن تحسن صورتها أمام المجتمع لكن الوقت قد حان لمغادرة أرض الوطن التي كانت دومًا تحلم بأن تدفن فيه، وكانت مستعدة للاستشهاد في سبيل الدفاع عنه لكنها باتت عدوًا له وجب محاربته، والتخلص من آفاته قبل أن تفلت زمام الأمور.

نعم لقد اضطرت لمغادرته على الرغم من الآلام التي لحقت بها، فكيف تغادر أرض أجدادها الذين دافعوا عنها فمنهم من استشهد، ومنهم من أصبح بطلًا يعتز به. غادرت الفتاة تاريخها أملًا في بداية جديدة، والحصول على حياة كريمة، احتضنتها إحدى الدول الأوروبية، وسعت إلى تجنيدها بجانب مجموعة من الشباب الذين لم يجدوا في وطنهم الأمن،والسلام. أضحت تلك الدولة بديلًا عن أوطانهم، ومنحتهم جنسيتها, وعدة امتيازات أخرى.

لم تكن تعلم الفتاة بالنوايا الخفية لذلك العطاء, والسخاء إلا بعد أن كلفت بمهمة لزعزعة استقراروطنها السابق، ولكن تضاربت مشاعرها حول ما إذا كان الوقت مناسبًا للانتقام ممن تسبب لها في طردها من وطنها أم تكون قائدة للتغيير في وطنها كما كانت تحلم، وبالفعل حدث ما لم يكن متوقعًا، فقد اختارت الانتقام من مشرديها لأجل الحفاظ على بقاء الدولة- كما كانت تعتقد-، ولكن هيهات ثم هيهات أن تنجح الخطة ؛ لأن الثورة بدأت تجوب ميادين البلاد تطالب بتغيير النظام بأكمله, وأمام ذلك الملايين التي خرجت تهتف " يسقط النظام" لم يكن أمام الفتاة إلا الرجوع لوطنها، ومساعدة شعبها.

رجعت إلى الوطن عازمة على النجاح ، ينطلق بريق الأمل من عينيها، وساعية إلى كتابة صفحة جديدة في تاريخ بلدها كما أنها أضحت قائدة للثورة، تهتف الميادين باسمها، وتتسابق القنوات العالمية في إجراء لقاءات معها بعد أن أصبحت ملهمة للثوار، وعقب نجاح الثورة بسقوط النظام جلست تتساءل كيف يمكن أن يحيا شعبًا غلب عليه الجوع، الفقر، والأمية ، هذا الوطن على حافة الانهيار ما لم يكن هناك بديلًا ، أخذت تتساءل عما إذا كانت الثورة نعمة أم نقمة، فالثورة التى رفع فيها شعار عيش...حرية...عدالة اجتماعية كان يجب عليها رفع شعار تعليم...عيش... عدالة اجتماعية... حرية ؛ لأن إعطاء الحرية لجاهل كإعطاء سلاح لمجنون.

حدث ما حدث، وتبدلت الأحوال لكن سرعان ما عادت لسابق عهدها ، فمازال الفقر يحارب المواطن، ازداد التعليم سوءًا، أغلقت المستشفيات، وتسابق الكبارللحصول على أكثر غنائم ممكنة , مرت سنوات عديدة على الثورة، وتعاقبت أنظمة سياسية لكن الحال لم يتغير، حينها تيقنت الفتاة أن الخطأ لم يكن في النظام فحسب، بل أن الشعب مسؤول أيضًا لما آلت إليه الأمور, وحاولت أن تصحح ما حدث لكن لم يصنت لها أحدًا، واتهمت بالعمالة، والخيانة؛ لأنها قالت أن تغيير النفوس أهم من تغيير النظام. نعم، اتهمت بالخيانة للمرة الثانية لكنها مؤمنة أنها فعلت الصواب، لم تخن وطنها بل تآمر عليه جل شعبه .

وما بين الإشادة، والتخوين لم تستطع الفتاة البقاء في وطنها لكنها لم ترغب في هجرته للمرة الثانية، وتحاملت على نفسها كي تعيش على أرضها التى دفعت ثمن الدفاع عنها الكثر، والكثير حتي أصبحت غريبة في وطنها.

"رسالة إلى جميع أطياف الشعوب العربية: الاختلاف لأجل الوطن أهم من الخلاف على الوطن؛ لأن الوطن باق, والأشخاص زائلون".