الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشائعات وهوى النفس..


أن تجد نفسك محاصرا بكم مذهل من الشائعات سوادها الأعظم غير منطقي ومثير للدهشة ويدفعك للبحث خلف من أطلقها ومن روجها ومن تداولها.. وحين تجد تصريحات رسمية تشير لأن حجم ما تداول في ثلاثة أشهر يتجاوز ٢١ ألف شائعة .. فكيف هذا..!؟

إنه مناخ أشبه بالحروب ولكن حروبا من نوع خاص فالعدو خفي يدير معركته من خلف الستار وسلاحه يحمله عنه المغيبين عن الواقع أو المضللين أو المأجورين..

وحروب الشائعات ليست حديثة تقترن فقط بما يطلق عليه البعض حروب الجيل الرابع وغير ذلك بل الأمر أقدم من ذلك بكثير فمنذ بدء الخليقة وفي كل حرب، يسعى العدو دومًا لهدم الجبهة الداخلية، وإشاعة البلبلة فيها، وبث روح الفرقة في الشعوب، وقطع كل رباط ثقة، بينها وبين قياداتها ودفاعاتها، بحيث يصنع منها جبهة جديدة، ينشغل بها عدوه، فتسهل هزيمته، في جبهة الحرب والقتال.

‎وحروب الشائعات انتهجها البربر، وبرع فيها التتار، الذين كانت تسبقهم الشائعات التي ابتكروها، والتي تبالغ في قوتهم وبأسهم وجبروتهم؛ لكى ترهب عدوًهم، من قبل حتى أن يواجههم ... وفي التاريخ الحديث نجحت الشائعات، التي بثها الألمان، في الشعب الروسي، إبان الحرب العالمية الأولى، في إشعال وإذكاء جذوة الثورة الروسية، التي كان على رأس مطالبها الانسحاب من الحرب ... ثم جاءت الحرب العالمية الثانية، وجاء معها الفكر النازي، الذى أدرك أهمية الدعاية والشائعات، حتى أنه أنشأ وزارة البروباجاندا، أو الدعاية، والتي رأسها (جوزيف جوبلز)، أحد مؤسسي علم الشائعات، المعروف الآن.

‎والشائعات يراها البعض فنا من فنون عالم الجاسوسية، له تقسيماته وأنواعه وتأثيراته، ولكل شائعة غاية وهدف وفن استخدامها يعتمد على استخدام الشائعة الصحيحة، في الوقت الصحيح؛ لبلوغ الهدف الصحيح ...

والأمر المثير للدهشة أن أكثر الناس تعرضا للإشاعات الكاذبة، هم الرسل والمصلحون فالصراع بين الخير والشر قديم قدم البشر على الأرض وباق إلى يوم الحشر، ومنبت الشائعة كلمة، لذا كان قول الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت». وكان النهي عن الكلمة غير المسئولة في قوله «لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه».

‎فما كان خروج أدم من الجنة إلا لما أشاعه إبليس عن شجرة الخلد فتصديق الإشاعات الزائفة، كثيرا ما يؤدي إلى زوال النعم.

‎فليحكم كل منا عقله فيما يصل إليه ولا يجعل هوى النفس هو الحاكم لما يسمع، وليدرك إن الناس مستعدون لتصديق الكذب، مهما بدا زيفه، إذا ما صادف هواهم، وتكذيب الصدق، مهما بلغ وضوحه، إذا ما خالف هواهم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط