الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سايكس بيكو 2018


يصف البعض الحالة التي تمر بها البلاد العربية الآن.. بأنها حالة مشابهة تمامًا للأوضاع التي جرى فيها توقيع اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 بين فرنسا وبريطانيا.. وعليها جرى اقتسام مناطق النفوذ بين الدولتين في الشرق الأوسط. وجرى تقسيم "تركة" الدولة العثمانية التي كانت في أواخر أيامها.

والوصف صحيح مائة في المائة، ولكن اليوم لا يجرى اقتسام النفوذ في المنطقة بين دولتين أو امبراطوريتين فقط، ولكن يجرى تقسيمها وتوزيعها بحسب المصالح بين ثلاث إمبراطوريات هى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية وإيران ومحتل جديد هو إسرائيل ودولتان كبيرتان هما فرنسا وبريطانيا وان كان وهج القوة قد غاب عنهما منذ عقود.

فسايكس بيكو 2018 هى بالضبط نفسها سايكس بيكو قبل 102 سنة.. نفس الضعف والذل ينتاب الدول العربية ونفس الغنائم موجودة بها كلها.. سواء كانت بترول أو موقع متميز أو سرقة أراضي كاملة أو إقامة قواعد عسكرية.

لم يتقدم العرب طيلة المائة سنة الماضية، سنتيمتر واحد بل العكس.. فبعد ما كانت الجيوش الغازية هى التي كانت تأتي بأساطيلها وقواتها لتحتل البلدان العربية أصبحنا نحن من نستدعي المحتلين لاحتلال أراضينا. وسوريا نموذجًا كما حدث مع إيران وروسيا. والعراق نموذجًا كما حدث مع أمريكا وايران!

حالة سياسية واجتماعية ونفسية تصيب بالإشمئزاز والتقزز، فعلى مدة 100 سنة صعدت امبراطوريات وتقدمت دول وحققت أخرى نقلات تعليمية وحضارية غير مسبوقة وبقينا نحن مكاننا لا نتقدم ولكن نتأخر وننحط!

وبنظرة سريعة على اتفاقية سايكس بيكو 2018:-

ففي سوريا هناك اقتسام للنفوذ بين روسيا وإيران وأمريكا موجودة في الشمال السوري وبجوار الأكراد.. وبالطبع إسرائيل موجودة هناك منذ زمن هناك بحكم سيطرتها على الجولان السورية.. والصراع هناك بين المحتلين الأربعة فكل من واشنطن وتل أبيب وموسكو لا يريدون إيران. ويشعرون ان نظام الملالي بنظريته المذهبية والطائفية إن استمر أكثر من ذلك فسيأخذ أنصبتهم في سوريا وقد يطردهم منها هو فيما بعد ويسيطر بالكامل على سوريا.

وبالطبع نحن نرفض وجود المحتلين الأربعة ونريد عودة سوريا لأهلها.. لكن هذا هو واقع الاتفاقية الجديدة.

في العراق جرى اقتسام النفوذ بين أمريكا وإيران منذ عام 2003 لكن النظام الإيراني وبقوة العصابات والميليشيات التي أسسها في بغداد استطاع التقدم كثيرا داخل العراق والسيطرة على قراره.. وهناك حربًا بالوكالة بين إيران وأمريكا ودول عربية عدة بعد السيطرة الفعلية على بغداد وقرارها.

أما في اليمن فقد جرى اقتسام النفوذ بين أمريكا والتحالف العربي من جهة وبين إيران ومحورها الداعم لها من جهة أخرى وسقطت صنعاء وانزلق اليمن في حرب أهلية مريرة. لا يتوقع أن يخرج منها قبل أقل من 10 سنوات على الأقل.

وفي ليبيا فإن المصيبة أعظم، ويصعب الإمساك بقوة دولية أو إقليمية وحيدة تسيطرعلى ليبيا ولكن قوى متعددة فأمريكا موجودة وإيطاليا موجودة وفرنسا وبريطانيا وإيران وتركيا وغيرهم.

لدرجة أن أحد الدبلوماسيين الليبيين وصف الوضع المحزن في بلاده بقوله. بقوله "إن قبائل ليبيا الكبرى حصلت على جنسيات عربية ودولية متعددة"، بما يعنى أن كل قبيلة بما تحت أيديها من المساحة والنفط أصبحت تدين لجهة دولية أو إقليمية ما.

وفي لبنان فالدولة الهشة الموجودة الآن ليست إلا تعبير عن تفاهم إقليمي ودولي فبيروت لا تقف هكذا وحدها على الأرض ولكن هناك رأي لحزب الله وهناك رأي لإيران وهناك لواشنطن وفرنسا ولدول الاتحاد الأوروبي.

"سايكس بيكو 2018" تعبير فاضح عن الذل والعجز والانكسار الذي عاشت فيه الدول العربية 100 سنة كاملة. لم نتقدم فيها خطوة واحدة ولكن رجعنا خلالها خطوات إلى الوراء. لقد استعدنا قبل عقود قليلة مضت بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ثم ما لبثنا أن فرطنا فيها.

إننا اليوم نفس حال حراس الكنز في المنطقة العربية قبل عدة عقود. ضعفاء خونة مأجورين مستبدين تأتي قوى دولية وعالمية بكل سهولة للسيطرة على بلادنا ومواردنا.

والحل ليس من خلال جامعة عربية فهى شاهدة العار والذل على مدى السبعين عامًا الماضية. ولا تدخل دولي له حساباته ولن يكون أبدا في صالح العرب الضعفاء.. ولكن في تثوير الإرادات العربية وبالنظر بصدق في الأوضاع السياسية والاقتصادية والتعليمية داخل الدول المستقرة أو الباقية حتى اللحظة دون انهيار حتى تأخذ بيد الدول الأخرى.

وبدء عمل تحالفات عربية حقيقية. مختلفة عما مضى وتستفيد من تجارب الفشل العظمي. لأنه إذا بقينا فرادي، فأخشى أن توشك الذئاب أن تأكل ما تبقى من القطيع!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط